تعقيباً على مقالي الزيد والسميح جدلية الفصيح الشعبي طلق المرزوقي
|
لن أتحدث عن الشاعر عبدالله الزيد، فهو علمٌ لا يُعرّف، وقامة سامقة في مشهدنا الشعري، وبيدق مهم من بيادق القصيد، والجميع يعرف كيف انه مارس البياض ردحاً من الزمن، وما يزال.
ولن أتحدث عن الشاعر عبدالله السميح، هذا البدوي المتشح بحزن سرمدي، جعله يركب جمله، ويخرج من دائرة الضجيج النبطي، حين كان الآخرون يتوافدون إليه زرافات، ووحداناً.
هذان الشاعران كانا قد أدارا جدلاً صحفياً، على صفحة ثقافة الجزيرة، حول ثنائية (الشعبي الفصيح) ، وقد حاولا كسر ترابية (الشعبي النخبوي) ، وأيهما يسبق الآخر في الأهمية، وفي هذا الجدل إثراء للساحة الثقافية ولا شك، طبعاً في هذه المداخلة المقتضبة سأتجاوز الثنائية المقيتة التي هي جزء من ثقافتنا، فهناك دائماً الخير الشر، والشعبي الفصيح، ومع ضد، الإسلام الحداثة الى آخر هذه القائمة الطويلة من الثنائيات.
لا يخفى على المثقف كيف ان الموروث الشعبي يمثل أحد اشكال التعبير عن الذات، ويعد موروثاً حضارياً ما فتئ يساهم في تشكيل الهوية لدى كل الشعوب بما فيها نحن، إلا أن الشعر الشعبي لدينا دخل في مأزق كبير، حين أصيب بالنرجسية تضخم الذات اولاً، وأسقط التعدد الاخر الفصيح ثانياً، واعرض عن إقامة حوارية رصينة مع الثقافي ثالثا، بل إن الخطاب الشعبي حين تنامى في مجتمعنا، اخذ يكرس داخل خطابه أكثر الانساق قبحا، سواء بوعي او بدون وعي، وراح يتبنى مفهوم العقلية العشائرية التي تؤمن بالتصنيف، مستبعدة الاخر حتى وان كان اكثر جمالاً منها وربما هذا ما جعل الشاعر عبدالله الزيد يجأر بالشكوى من الصحافة الشعبية وأكثر مظاهر هذه النسقية المصادرة تتجلى في اكتساح الإصدار الشعبي للسوق الإعلامية على المستوى المطبوع والمرئي والمسموع، ونتج عن هذا الطغيان عملية إحلال الشعبي بدل الثقافي في حين كان من الواجب ان يتجاورا، ويتحاورا، بل والأخطر من ذلك، أن الشعبي أصبح يمثلنا ثقافياً ويقدمنا للآخر العربي بوصفنا بدواً لم نستطع تحقيق الشرط الحضاري بعد، بسبب تبني المنطوق الشفهي، وإغفال المكتوب حين نقوم بتقديم ذواتنا للآخرين.
إن الخطورة في كلام الزيد، هو أنه وضح كيف أن الشعبيين اعتبروا عودة السميح للساحة الشعبية من قبيل التوبة عن وزر القول الفصيح، والخلل في تصوري يكمن في عقلية الشاعر الشعبي، الذي يعتقد ان التعبير الشفهي هو الأهم على الإطلاق، مغفلا مفهوم الحوارية التي كان من الواجب تبنيها في التعاطي مع الآخر المختلف، والمخرج من هذا المأزق في اعتقادي يكمن في السماح لما يمكن ان اسميه بتدافع الخطابات، حيث يقوم كل خطاب بإنتاج قيمها الجمالية والمعرفية دون ممارسة المصادرة ضد الخطابات الأخرى.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|