تشابهات في بنية الحدث والشخصية والعبارة المفتاح هل اقتبست ليلى الجهني روايتها (الفردوس اليباب) من القصة الفرعية لفيلم (روب روي)؟! عبدالله السمطي
|
تندرج رواية (الفردوس اليباب) للروائية ليلى الجهني في إطار النسق الروائي الرومانتيكي، فهي تصف وترصد وتسرد لعلاقة عاطفية وجدانية بين اثنين هما: (صبا عبدالعزيز) و (عامر)، والحدث الجوهري الذي تصل إلى ذروته الرواية تتمثل في هجر عامر لحبيبته (صبا) وشعورها بالانكسار المأساوي الحاد، حيث انتهت العلاقة بينهما و(صبا) تحمل سفاحاً منه، فتنقلب الرواية والأحداث إلى الدخول في آليات تيار الوعي، بما فيه من كوابيس وأحلام ورؤى متخيلة، وحديث اللاوعي.
هذا هو بإيجاز ما تتشكل منه البنية الكلية للرواية القصيرة الواقعة في صفحة (95).
ولقد كتب عن الرواية الكثير من الدراسات والمقالات منذ ظهورها للمرة الأولى في العام 1996 م بعد فوزها بجائزة الشارقة الثقافية، ثم بعد صدورها عن منشورات الجمل بألمانيا في العام 1999م، وجل هذه الدراسات والمقالات أشاد بالرواية، وبأسلوبها الجريء، وبدلالاتها النفسية والاجتماعية.
بيد أن أخطر ما كتب عن الرواية مؤخرا يتمثل فيما طرحه الكاتب (كامل الخطي) في مجلة المجلة بالعدد 1299 في الصفحتين 5253 من المجلة بعنوان: هل اقتبست ليلى الجهني روايتها (الفردوس اليباب) من فيلم (روب روي)؟ واستهل الكاتب مقالته بالإشارة إلى أن الرواية قد أدرجت مؤخرا للنشر ضمن مشروع، (كتاب في جريدة) الذي ينشر بالاتفاق مع اليونسكو ومجموعة من رعاة المشروع، ومجموعة من الصحف العربية البارزة، وشكك الكاتب في مقالته في أن تكون الرواية قد (سرقت) من قصة فرعية بفيلم (روب روي) ROB ROY الذي عرض في دور السينما العالمية بدءاً من أبريل 1995م وقام ببطولته كل من: ليام نيسون، وجيسيكا لاند، وجون هورت، وتيم روث، وبرايان كوكس، وأريك شتولتز.
وعرض الكاتب موجزاً للفيلم الشهير الذي (يروي شطراً من حياة زعيم عشيرة اسكتلندية اسمه (روبرت) أو (روب) روي مكغريغور عاش بين عامي 1670 و1734م أقحم هو وعشيرته الصغيرة للدخول طرفاً في صراع دموي غير متكافئ مع أحد النبلاء المحليين، الماركيز مونتروز، الذي يملك جيشاً نظامياً ورجالاً كثر ونفوذاً لا قبل لهم بمواجهته وأشار الكاتب إلى أن الفيلم يتضمن قصة جانبية طرفاها أحد أبطال الفيلم (تيم روث) الذي يؤدي دور مرتزق إنجليزي لقيط وشاذ، يعمل قائداً لميليشيا الماركيز، وطرفها الآخر (فيكي ماسون) التي لعبت دوراً مساحته صغيرة، وهو دور إحدى الخادمات العاملات في قصر الماركيز.
في هذه القصة الجانبية يغوي المرتزق الإنجليزي الخادمة الاسكتلندية فتحمل منه سفاحاً، مما عرضها للطرد من الخدمة في قصر الماركيز، فتلجأ إلى شريكها الذي طارحته الغرام، فيقوم بصدها ويقترح عليها إجهاض الجنين ويدور حوار قاس بينهما، فيقول لها في النهاية: (الحب مزبلة وأنا لست إلا ديكاً يتقافز عليها صائحاً).
هذه العبارة هي الذروة التي يشير إليها الكاتب، والتي بنى عليها فكرته عن اقتباس الفيلم أو سرقته وتوظيفه في رواية محلية بعد أسلمة هذه العبارة وهي مثل إنجليزي معروف كما يرى الكاتب وتحويلها إلى: (الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن)، كما يشير إلى التشابه في حدث الحمل والإجهاض الذي حدث في الفيلم وفي الرواية، بيد أنه يشير إلى جمال الرواية، وإلى أسلوبها المتميز.
قراءة ثانية
مرة أخرى، قمت وقرأت الرواية؟ التي كنت قرأتها في العام 2000م بمشاهدة فيلم: (روب روي)، ومن خلال المقارنة بين المشاهدة والقراءة، تبين لي التالي:
أولاً: إن القصة الفرعية للفيلم، التي تدور في إطار وجداني حميم، وتنتهي إلى الحمل، هي الحكاية الجوهرية نفسها في: (الفردوس اليباب).
ثانياً: السمات الشخصية ل(آرتشيبالد كاننجهام) التي جسدها الممثل تيم روث تقترب وتتشابه من شخصية عامر من حيث الأنانية، والخيانة، والفساد الذاتي، وغيرها من الأوصاف الواردة بالفيلم والرواية.
ثالثاً: تشابه الحدث المركز الأخير الذي ينهي العلاقة بين (بيتي) التي جسدتها الممثلة (فيكي ماسون) وبين (كاننجهام) والذي يطلب منها إجهاض الجنين، ثم تنتهي الحكاية بانتحار (بيتي) فيما تموت (صبا) عند إجهاضها.
رابعاً: التركيز على عبارة: الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن وتكرارها في صفحات مختلفة من رواية (الفردوس اليباب) يشي بأن مؤلفة الرواية تأثرت بهذه العبارة المفتاح التي وردت في الفيلم، وقامت بتحويرها قليلا.
إن ما يلفت الانتباه أن ليلى الجهني التي كررت هذه العبارة في صفحات عدة من الرواية قامت في صفحتين متتاليتين من الرواية 47 48 بتكرار هذه العبارة المثل المفتاح بشكل مثير للتساؤل، ما ينم على أن هناك نوعاً من القصدية من لدن الكاتبة للتأكيد على هذه العبارة، وأنها تمثل ذروة التعبير الحدثي عن حكاية (صبا) و(عامر)، ويمكن أن ننقل هنا بعض العبارات التي وردت في صفحة 47 من الرواية، للدلالة على ذلك:
ها ها ها.. ألم أقل لك يا صبا؟ الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن؟ عامر؟ ما الذي أتى بك؟ ألم أقل لك يا صبا؟ الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن.
ها ها ها، لم لا ترد علي؟ ومن هذه التي معك؟ خالدة؟ رباه، ما كان يجب أن تأتي.
لا تتطلعي إلي بهاتين العينين، تعبت من البكاء فلا تدفعيني لمزيد منه.
هل جئت ترجمينني أنت أيضا؟
ها ها ها.. ألم أقل لك يا صبا: الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن
خالدة، بالله عليك ردي علي.
لا تقفي هكذا صامتة، صبا، أنا، أنا حامل.
ها ها ها، ها ها ها. ماذا؟ حامل؟ فعلها ديك المزابل إذن.
ها ها ها أمر طريف، أمر رائع.. تخيلي أن ابني وابنك أخوان.
ها ها ها.. ولكن متى عرفت أنك حبلى.
البارحة تركتكما مخطوبين.
أنت كذلك لعبت يا خالدة؟ ألم أقل لك يا صبا؟ الحب مزبلة وأنا.. ديكها المؤذن
فهمنا، أكرمنا بسكوتك، خالدة ردي علي لم تهربين بعينيك بعيدا عني، ماذا قال لك هذا المأفون؟ لا تصدقيه (أود ذلك).
تودين ذلك؟ ما معنى هذا الكلام؟ ألم أقل لك يا صبا؟ الحب مزبلة وأنا ديكها المؤذن؟ ها ها ها. مزبلة، أجل مزبلة. كل شيء مزبلة.
هكذا فإن تكرار هذه العبارة المفتاح في الرواية بهذا الشكل، إنما يوحي بتعرف الكاتبة المسبق على هذه العبارة، وحكيها في سياق حدث يتشابه مع ما جاء في الفيلم في العلاقة بين (بيتي) و (كاننجهام) يؤكد على أمرين:
إما أن ليلى الجهني شاهدت الفيلم، وقامت بنقل هذه القصة الفرعية منه، وتعريب أحداثها وشخصياتها، زمانياً ومكانياً، والاستطراد فيها قدر الإمكان بالإشارة إلى (جدة) بوصفها مكاناً تدور فيه الأحداث، وبيان أن الشخصيات هي شخصيات من هذا المكان.
أو أن ليلى الجهني الدارسة للأدب الإنجليزي ? اطلعت على القصة أو الرواية الأصلية لهذا الفيلم، واقتبست هذه الحكاية الفرعية، كذلك فإن شخصيتي: (عامر) في رواية الجهني، و(كاننجهام) في الفيلم، تتشابه بعض أوصافهما، وسماتهما الشخصية، إلى درجة التطابق، فشخصية (عامر) (تافهة، خائبة) ص 68
هذا الخائب؟ وكيف استطاع أن ينفذ إلى روحك؟ قلبه: الثمرة المتعفنة القلب المعطوب ص 71 سافل، إنه وباء، شيطان مريد ص 71 وفي صفحة 70 نقرأ هذه العبارة: كان يجرب تأثير جماله، والفتنة المسمومة التي ينضح بها وجهه.
كان يجرب ولست أدري إلى أي مدى وصلت تجاربه السابقة؟.
بإمكان المرأة أن تتزوج رجلاً لعوباً باختيارها، وإن اكتشفت ذلك صدفة فإنها ستتحمل، لكن الرجل لا يتزوج امرأة لعوباً إلا نادراً. وبالنسبة لعامر، لم تكوني أكثر من علاقة سرية عابرة، امرأة لعوب مستعدة لأن تمنح فكيف يعرض عنها؟ والمرأة التي تمنح خارج رباط الزواج ليست أكثر من ساقطة.
إن هذه العبارة تدل على أن (عامرا) كان يجرب، وكان لعوباً، وهي الأمور نفسها التي يتسم بها (كاننجهام) الذي لم تكن النساء لديه سوى علاقات سرية عابرة، ولا يلتفت أبداً للحب، فهو الديك المؤذن على مزبلته.
كان (كاننجهام) يحافظ على أناقته، ووسامته في الفيلم، حتى أثناء مبارزته للآخرين، وكان شخصية ملفتة للنساء، على الرغم من أوصافه الشريرة، وقد أحبته (بيتي) بعمق، بيد أنه كان يخدعها طوال الفيلم، وهو ما نجده أيضاً في رواية (الفردوس اليباب) حيث لم تنخدع (صبا) وحدها بعامر، بل انخدعت فيه أيضا (خالدة) وحدث لها ما حدث ل(صبا) حيث (فعلها ديك المزابل) كما ورد بالرواية في صفحة (47).
سرقة أم تناص سينمائي؟
هل نحن في رواية ليلى الجهني، وفيلم (روب روي) بإزاء سرقة فنية أدبية، أم أننا حيال نوع من (التناص السينمائي) الذي تستثمره الرواية وتوظفه في نقل بنية الحدث والشخصية إلى فضاء زمكاني آخر وإلى ثقافة أخرى تعد قيمة الشرف فيها من القيم العزيزة السامية؟ إن جوهر التناص هنا كآلية فنية لا يتحقق في الرواية، فإذا كان التناص يعتمد على الإشارة الجلية أو حتى الخفية إلى المتناص معه، كتابياً أو مشهدياً، بحيث يمكن للقارئ أن يقع بسهولة على أطر العلاقة التناصية بين النص والمتناص معه، ويكون على بينة من التوظيف الدلالي لهذا النص الوافد، فإن الاقتباس أو السرقة تختلف عن ذلك، حيث يسعى الكاتب أو المؤلف إلى (التعفية) الدائمة على الأثر المقتبس منه، وهو الأمر الذي قامت بفعله بمهارة شديدة الروائية ليلى الجهني، فقامت ب(تعريب) الحدث، وتبيئته، وتعريب الشخصيات بحيث تتواءم أو لا تتواءم وطبيعة المجتمع المحافظ الذي قد تنشط فيه العلاقات الخفية، والكتابة بشكل جريء عن هذه العلاقات الرومانتيكية الخفية، التي تنتهي إلى شكل مأساوي مريع.
من هنا، فإن ليلى الجهني قامت بتقسيم هذه الرواية القصيرة إلى عدة فصول، وإضافة بعض الأحداث الأخرى التي لا تتعلق فنياً أو بنائياً بالرواية، بتحويلها من رواية (شخصية) رومانتيكية، إلى رواية مكان، تحتفي بالمكان وتؤسطره، كما فعلت في الفصل الأخير من الرواية (اختزال الروح) الذي أرى أنه لا قيمة له حقيقية داخل الرواية، بل إنه فصل استطرادي يمكن حذفه من الرواية.
إن رواية (الفردوس اليباب) من الروايات المثيرة في سياق الرواية السعودية الراهنة، وهي الرواية الأولى للكاتبة، لكنها تتسم بمهارة أسلوبية وفنية متميزة، مع ذلك يبقى سؤال التشابه بين الحكاية الفرعية لفيلم (روب روي) وبين حكاية (صبا وعامر) مثار سؤال كبير: هل اقتبست ليلى الجهني روايتها من هذا الفيلم؟ وإذا كان ذلك لم يحدث فما سر هذه التشابهات الكبيرة على مستوى بنية الحدث والشخصية؟
إننا في انتظار إجابة الروائية نفسها، خاصة وأن الرواية مدرجة ضمن هذا المشروع الثقافي (كتاب في جريدة) الذي يوزع إصداراته في مختلف البلدان العربية.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|