قصة قصيرة فردوس أبوالقاسم
|
ِتسلم
نصحوه: (امشي بجانب الحائط تسلم) استمع لهم، ومشى ملاصقاً للحائط حتى أصبح وكأنه جزء منه. ضاقت به الحال.. تمتم موبخاً انقياده لتعليمات الآخرين.. تعثر وأُصيب.. لم يسلم من الجروح ونظرات سخريتهم من طاعته العمياء وتفلت زمام أمره من يديه.
شتم آراءهم من جديد وحقّر أفكارهم وهو يحاول المشي بجانب الحائط.
فكر أن يسلم أكثر فاعتلا الحائط..
ذات يوم سقط ونزفت جراحه.
كال الشتائم المختزنة عليهم وثار على أفكارهم القذرة التي قادته إلى ذلك.
في اليوم التالي، حضروا إليه غاضبين ونقلوا له ما قاله بحقهم حرفياً حاول الدفاع عن نفسه فلم يستطع، المفاجأة والهزيمة كبلت كلماته للإفصاح عما يدور داخله، وعن آلامه من ملاصقة الجدار.
قالوا له: ألم تعلم بأن للجدار أيضاً آذاناً تسمع؟؟
هوى من فوهة الانقياد موقناً أنه لم.. ولن يسلم..
**
اختباء
في التاسعة لفت أمي جسدي الصغير بوشاح أطول مني. دثرتني بعباءة سوداء, أخفتني عن أعين الحراس، أكبرتني في أعين الناس، أوصتني أن التزم الصمت.. وأن أكبر لبعض الوقت، حاولت أن تضيف إلى عمري عشرات السنين ولتزيد أنوثتي المزعومة لبعض الوقت ألبستني حذاء محشوا بالفلين لأزداد طولاً، ودفعت إلي بحقيبتها السوداء المكتظة ولكن، تقدمتني بخطواتها الكبيرة والواثقة بأن هذا الحارس الجاثم أمام بوابة زيارات المرضى لن يلحظ كعبي المزعوم.. أو حقيبتي المكتظة بالحلوى لجدتي المريضة التي تقبع في الدور الثاني. بل لن يلحظ خطواتي الطفولية تلك المتعثرة. وصايا أمي تربكني وزخات نظرات الحارس المتواصلة تقلقني، هل أكبر حيناً وأصغر حينا؟؟ خانة الاختباء التي وضعتني فيها والدتي حاصرتني دون أن تشفع لتوسلاتي الطفولية بأن أبقى حيث أنا.. عند نقطة الالتقاء لم تتمكن خطواتي الطفولية من العبور، فتدحرجت مع أسئلتي التي طارت بجناحيها!! هناك حاولت أن أعرف إلى أي مدى تمكنت من تنفيذ وصايا أمي، ونجاحي بأن أكون كبيرة.. هل نجحت يا أمي في الاختباء؟؟ تبسمت أمي بعلامة القبول, صفقت فسقطت الحقيبة وتعثرت عند أول خطوة بعد شكوك الحارس ولوحت طفولتي بتلك الضحكة المعصورة من آلم، بعد تلك الضحكة المفجعة, لم تحملني قدماي فقد أوصى الطبيب أن أبقى في المستشفى لبضع أسابيع لمعالجة كسر مضاعف جراء تعثري بعباءة وحذاء مرتفع.. لم ترضخا للاختباء. 15-2-1423
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|