| الحمقى لا يعيشون فرادى..!!
|
*سليمان بن عيسى الطويهر
مرت ساعة وأنا انتظره هذا الأحمق، تواعدنا هنا، عند السوق الشعبي القريب من بيته، لكنه حتى الآن لم يأت! تباً لحماقتي أنا الآخر، لا أعلم لِمَ أُجْهز على نفسي وأحملها ما لا تطيق؟!.
لماذا أنا وحدي من يظن نفسه (خواجه) فألزم نفسي بالمواعيد دون غيري؟!.. ماذا سيضرني لو أني جلست الساعة الفائتة، مع أمي، أتناول المكسرات، وأشرب شاي (العصرية) بدلاً من مناطحة الشمس، انتظاراً لأخرق لا يكترث بالوقت، ولا بالآخرين.
أدرت عيني في الشارع، للمرة الألف، بحثاً عن (سفينة نوح)، سيارته الكاديلاك العتيقة التي كان يسميها بهذا الاسم، ويبدو أني سأسميها (سفينة نوح).. لم أجدها، كانت المشاهد المملة هي هي نفسها، تتحرك لكنها لا تتغير أبداً! سيارات محملة بالنساء والأطفال، تأتي، فتنثرهم، وتمضي.. وأُخَر يبقين لسد ثغرة المواقف. بجانبي سيارة متعطلة هي المكان المتفق عليه، حفظت - من كثرة ما تأملتها - الشبكة المرسومة من تكسر زجاجها. خلفها سيارة ذهبية، تلون زجاجها بشعاع الشمس، فأصبحت شعلة ذهبية، وبجانبي من الجهة الأخرى سيارة آيس كريم، يتزاحم عليها الصبية، فيخرج أحدهم مبهوراً بما يحمل! وقد تلون وجهه وملابسه بالقطرات البيضاء والحمراء.. أعدت النظر للشارع، فإذا بسيارات الأجرة كالجراد، تلتهم المواقف، وتزحم الشوارع!.
أطفأت محرك السيارة، فالحرارة وصلت آخر ما تستطيعه، هي أيضاً لها قدرة محدودة على الاحتمال. لا ذنب لها إن كان مالكها أحمق، يصاحب الحمقى، ويواعدهم وينتظرهم.. فلا يأتون.
قطرة عرق.. قطرتان.. لا مزاج لي حتى بمسحهما. دعهما تعلنان عن تذمرهما، وتثوران على هذا الضجيج بداخلي.. فتحت النافذة.. لم ينفذ منها سوى دخان وغبار وضجيج.. وضجيج.. ضجيج.. يا لهؤلاء الناس يأتون للسوق كي يصرخوا، يأتي أحدهم بكومة أطفاله ليمارس عليهم أبوته كما يراها! يصرخ.. يصفع! يمارس عليهم ما لا يستطيع أن يمارسه على غيرهم، يصيح بأحدهم وهو يمزق فاتورة الهاتف، يصفع الآخر وهو يستوثق متنهداً من الأختام في سند تسليم قسط سيارته.
أوه! وما شأني أنا بهم؟ فليحرقوا أبناءهم إن أرادوا. أدرت محرك السيارة من جديد، وفتحت مكيف الهواء على أقصى ما يمكن. تابعت مؤشر الحرارة وهو يركض للارتفاع فلينفجر إن شاء هو الآخر.
وهذا الأحمق.. أين هو الآن؟.
أيكون لدى الحلاق؟ أعرفه تمام المعرفة، قالب من الثلج، وحين تقدح شرارة المصلحة، يتحول لنار الله الموقدة.
سيأتي ويقول.. أوه.. آسف.. تعطلت سيارتي! فيما رائحة الكريمات المعطرة تفوح من ذقنه المحلوق تواً.
ماذا أفعل كي أحرجه فلا يعود لمثل هذا البرود الأسطوري؟ هل أمشي وأتركه.. أم انتظره حتى يأتي، وأعطيه محاضرتي المكررة في الالتزام بالمواعيد؟ أم أصافحه ببرود، وأخبره بأني انتظره منذ ساعة كاملة!.
وهل سيخجل؟
آه.. أسعفني يا ربي.. إني أقتل بمجاملتي..
انتهى الأمر.. سأمضي الآن، ولن أتوقف، حتى لو رأيته منطرحاً على فراش الاسفلت.. هذا البليد.. المتحجر.. البارد!.
باارد!
باااااارد!
أوه ما أحوجني فعلاً ل(البارد)! فقد أظمأني الانتظار.. تلفت حولي.. رأيت دكاناً صغيراً. نزلت إليه.. ياه! رجلاي تخدرتا من طول الجلوس! هاهاها أبدو كالمشلول! استغفر الله! ضربتهما ضرباً خفيفاً، حتى أفاقتا.. مشيت.. وصلت الدكان..
وقبل أن أدخل.. سمعت من ينادي خلفي:
- عادل.. عادل..
التفت باستغراب، أوه! مَنْ أرى؟!
باب السيارة الذهبية يُفتح، ينزل منه السائق، يهتف وأنا مدهوش:
- يا أخي وينك؟ لي ساعة وأنا انتظرك؟؟
أردت أن أجيبه ولكن تلعثمت! السيارة الذهبية! وضحكت..
يبدو أني لم أبتعد عن الصواب حين قلت أني أحمق!.
أيعقل أن انتظره ساعة كاملة وهو بجانبي.. وهو أيضاً، يا له من أحمق!!.
لِمَ لم يبحث عني.. لِمَ لم ينزل من السيارة؟.
- وتضحك بعد يا مستر قرينتش؟؟
قالها في ثورة.. ولم استطع أن أخبره شيئاً.. فأنا لم أكن استطع التنفس.. كنت أضحك.. وأضحك فقط!.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
