خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم (قراءة في وعي الشخصية العربية) «11»
|
* سهام القحطاني
إن السؤال الملحّ علينا في هذه القراءة هو سبب استجابة طاقة وعي الشخصية العربية الشعبية لحركة الإرهاب والتفاعل معها والانجذاب إليها. لا شك أن الهزائم السياسية العربية المتكررة، وانتصار إسرائيل على العرب وفرض هيمنتها من خلال التطبيع مع بعض الدول العربية، واتفاقية أوسلو التي كانت إعلاناً صريحاً بانتهاء الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبدء مفاوضات السلام، وهو ما يعني ضمنياً اعترافاً بحق وجود إسرائيل في فلسطين.. هذه الإحباطات المنهكة لوعي الشخصية العربية الواقعي الذي لا يتعدى المستوى الفردي للتميز، إما (صح) وإما (خطأ)، إنه وعي يصف لورنس العرب أصحابه بأنهم: (يرون الشيء إما أبيض وإما أسود. وليس في آرائهم ورؤياهم فحسب، إنما في معارضتهم، وأفكارهم المتحررة من القلق والأوهام إلى أقصى الحدود، واعتادوا المغالاة باختيارهم، وبدت عدم الترابطات أحياناً لتكسبهم تأرجحاً مشتركاً على الفور... إنهم أناس ضيقو ومحدودو التفكير، حيث إن ذكاءهم الجامح الجامد يرتاح باستسلام غير مبال، وإن خيالاتهم نشطة لكنها غير خلاقة... إنهم شعوب الفورات والجيشانات، الأفكار، وسلالة العبقرية الفردية، وإن حركاتهم كانت مؤثرة أكثر، ومتناقضة مع هدوئهم اليومي، وعظماؤهم أعظم تناقضاً بالنسبة إلى إنسانية رعاعهم، وقناعاتهم هي غريزة، ونشاطاتهم حدسيّة).
إن حركة الإرهاب هي ناتج من نتائج شحن وعي الشخصية العربية الواقعي بالقومية المتشنجة ضد إسرائيل وبريطانيا وأمريكا وروسيا، وبعد خروج الاستعمار من الدول العربية لم تحاول النخب السياسية والثقافية التي كانت تحقن ذلك الوعي بمخدر العداء لتلك الدول أن تعالج ذلك الوعي من إدمانه على مفهوم القومية المتشنج، من خلال إرساء مقررات مختلفة تتناسب مع فترة السلم والتطبيع مع تلك الدول، وبقاء ذلك الوعي المدمن على مخدر العدو والمقاومة، ومع انتهاء كميات المخدّر كان ذلك الوعي لا بد أن يبحث عن تاجر آخر يوفر له ذلك المخدّر لإشباع إدمانه فكانت حرب أفغانستان، وبعد الانتهاء من تلك الحرب عاد ذلك الوعي ليبحث عن تاجر ثالث ورابع وخامس واستمرت الحركة الإرهابية تشبع إدمانها عبر التفجيرات الإرهابية في بلدها الأم وخارجه.
الذي لم تفهمه النخب السياسية والثقافية أن وعي الشخصية العربية الشعبية الواقعي كان في حاجة إلى علاج توعوي بعد الانتهاء من الحرب عبر الهزائم المختلفة. كانت في حاجة إلى علاج يعيد إليها ثقتها بقدراتها وإمكاناتها، وكان التعليم والإبداع سيحقق لها هذه الحاجة ويعيد إليها ثقتها بذاتها، وكانت في حاجة إلى إيجاد خطط تنموية لتفريغ طاقتها من خلالها، وتجديد دورها في البناء والإنجاز. لكن ما حدث هو إغفال إعادة تأهيل وعي الشخصية العربية الشعبي بعد تلك الهزائم المتلاحقة التي أفقدتها الثقة بذاتها وبقدرتها، فما كان من ذلك الوعي في غياب برامج التأهيل، إلا أن يبحث عن نشاط يتساوى مع ما ألفه من أنشطة زمن المقاومة القوميّة، بهدف استمرار قيمة الاستعلاء التي كانت تنتج له تشنجات القومية والمقاومة العربية، فكانت أفغانستان آلية جيدة لإعادة إنتاج قيمة الاستعلاء التي خسر معنوياتها بعد الهزائم العربية. ثم انتهت حرب أفغانستان وعاد كل عربي إلى بلده، بعد أن (قضى عشر سنوات أو أكثر هناك، ولم يكن لديهم شيء يفعلونه غير القتال وحضور الخطب الدينية، عندما انتهى الاحتلال السوفيتي عادوا إلى بلادهم، وكلهم أمل في أن تستقبلهم بلادهم بأكاليل الزهور، لكنهم دهشوا عندما استقبلوا بالرفض، بل إنهم ذهلوا عندما اكتشفوا أنهم لا يملكون أي مهارات تجعلهم يتأقلمون مع مجتمعاتهم. بعض قادتهم في أفغانستان انتهزوا الفرصة وقاموا بتوظيفهم لتحقيق أهدافهم السياسية)، (الحكومات العربية كان يجب أن تضع خططاً معينة عن كيفية التعامل مع هؤلاء العرب الأفغان، وكيفية إعداد تأهيلهم لكي يتواءموا مع مجتمعاتهم) - الدكتورة سلوى الخطيب - الإرهاب الأسباب والدوافع - كتاب السعوديون والإرهاب.. رؤى عالمية - ص 87-88.
إن عودة جنود عرب الأفغان إلى بلدانهم كانت تعني لهم الخروج من هالة البطولة والكرامات التي كنا نسمع عنها كمنح سماوية للمجاهدين الأفغان، إلى دائرة العادية التي تعني بدورها فقدان إنتاج قيمة الاستعلاء، والتأكد من فقدان إنتاج هذه القيمة في المستوى العادي، دفع المحاربين القدامى إلى البحث مرة أخرى عن آلية مختلفة لإنتاج قيمة الاستعلاء، فكانت التفجيرات والقتل الانتقامي والاغتيالات ثم توزيع الخريطة أفقيا كآخر تطورات هذه الحركة.
إن التحول الأهم في مراحل تطور حركة الإرهاب وانتقالها من درجة الجماعة إلى مستوى المنظمة الرسمية تمّ بعد الحادي عشر من أيلول، ومن المدهش أن تمثل جماعة قليلة من الرعاع والمشرّدين ومرضى العقد النفسية ومن غلاة الصوفية، أمثال أسامة بن لادن وعصابته، محرك الانتقال من حرب قديمة (الحرب الباردة) إلى حرب جديدة (الحرب على الإرهاب) التي أعادت نظرية التقسيم قبل انتهاء الحرب الباردة؛ معسكر شيوعي ومعسكر رأسمالي، لكن أسماء التقسيم في هذه الحرب اختلفت، ليصبح معسكر الخير ومعسكر الشر، (لا شك أن أحداث 11 سبتمبر غيرت الكثير من المفاهيم في الخريطة الفكرية للمواطن العربي ومواقفه منها، فقد اكتشف هشاشة بعضها كمفهوم الخطاب الوحدوي العربي والقومية العربية والأمة، ليكتشف المواطن العربي أنها ما كانت طوال عمرها سوى سراب أو مجموعة أغانٍ، كما أعاد بناء مفاهيم قديمة وفق رؤية التآلف مع الحضارات الأخرى كمفهوم الجهاد والكفار وتأويل النص المقدس وتطوير الخطاب الديني، وتعمق في قراءة مفاهيم مستجدة كمفهوم العولمة والنظام العالمي الجديد والسوق الحرة والرأسمالية، ودخلت مفاهيم جديدة أجندة الخطاب اليومي لتزاحم ما تبقى من فكر المواطن العربي المشتت مثل حوار الحضارات وصراعها وهكذا تحولت أحداث 11 سبتمبر (بقصد) إلى قضية صراع حضارات وشعوب بين (أبناء النور الأمريكيين والإسرائيليين ضد أبناء الظلمات العرب والمسلمين) - أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل - فهد العرابي - ص 55.
وهكذا تأكدت ملامح شخصية العربي المسلم في وجدان الشعب الأمريكي خاصة والغربي عامة، التي كانت قديماً تقبل جدل التفنيد، أما الآن فلا تفنيد للمؤكد على الأقل في وجدان المواطن الأمريكي الذي ينظر إلى العربي، على أنه ابن الصحراء النائية التي تمزج ثقافته بالدم والثأر، وهي ثقافة عدائية ترفض الثقافة المغايرة؛ وهكذا فالعرب في وجدان وفكر المواطن الأمريكي خاصة (قساة ومنافقون ومتوحشون ومتخلفون وفظون وغير أكفاء حضارياً) - أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل - فهد العرابي، ص 83.
لقد وضعت أزمة الحادي عشر من أيلول ومتطلبات العولمة ومؤامرة صراع الحضارات التي يخفف العرب من بناها العدائية نحوه باسم حوار الحضارات، وعي الشخصية العربية الثقافي خاصة أمام تحديات صعبة ومعقدة، لن يتجاوزها ذلك الوعي ويتطور من خلالها إلا بفضل (التنمية).
إن الحقيقة الظاهرة للعيان أن وعي الشخصية العربية يعيش اليوم حالة تخلف تنموي سواء في أعلى درجاته أو أدناها، ومع أن الاعتراف بهذا مرحلة مهمة في حالة التشخيص، إلا أن (لماذا - وكيف) يظلان مركز العلاج.
ف (الفشل جدير بأن يدفعنا إلى إعادة النظر في طرق التفكير، التي أدت إليه. وإلى تجديد فهمنا، ورؤانا، وممارساتنا) - أدونيس.
إن التنمية في أبسط تعريفاتها وفي مساحتها الشمولية تعني الإصلاح، الإصلاح السياسي، الإصلاح الثقافي، الإصلاح التعليمي والتربوي، الإصلاح الإعلامي؛ فالتنمية الشاملة تعني (الوفاء بالحاجات الأساسية لكل فئات المجتمع لتحسين نوعية حياتهم، الاعتماد الجماعي على الذات لتكون التنمية مستقلة متحررة من التبعية، مشاركة جميع المواطنين في أعبائهم بشكل فعال وديمقراطي، حماية البيئة الطبيعية، تعزيز الهوية الحضارية للمجتمع) - أساسيات في التربية - خليف يوسف الطراونة - 149، وذلكم التعريف يضعنا أمام مسوغات الإصلاح.
seham_h_a@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|