بعدٌ جميل وحالم للموت سيف الرحبي عندما ينهض من مقبرة السلالة عبدالله السمطي
|
يتسم الأفق الشعري للشاعر سيف الرحبي بسمة الرحابة الدلالية التي تضربُ بمعانيها في فضاءات متكثرة تربط الأبعاد الزمانية الثلاثية بهاجس المكان الذي يختزن داخله عوالم من التاريخ والتراث والأسطورة ودواوين سيف الرحبي تركز على الاحتفاء بالمكان، بالبيئة وتفاصيلها هذا ما نلمسه على الأخص في ديوانيه الأخيرين «يد في آخر العالم» و«الجندي الذي رأى الطائر في نومه» ، اضف الى ذلك ان الرحبي يحتفي كثيراً بالسؤال والتأمل والحلم، سواء كان ذلك تعبيرا عن واقع حي، او تجربة معيشة، أم تعبيرا عن حالة موتية، فالموتى أحياء لدى الرحبي، ليسوا مجرد غائبين، او أشباح يتم استدعاؤهم الى فضاء النص، بل انهم يتحركون، ويعيشون تفاصيلهم بدأب. هذه الرؤية حفزت الشاعر الى ان يعبّر بشكل أبعد كثافة في ديوانه الجديد «مقبرة السلالة» (الصادر عن منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا 2003). فالديوان يحتفي بهاجس الموت، وما يفضي اليه من تأمل، ومن مزج بين الفيزيقي والميتافيزيقي، وما يجترحه من تساؤل ضدي حول الوجو واللاوجود، والشيء واللا شيء.
النص الأول في الديوان يجيء بعنوان «مقبرة السلالة» وهو نص يمزج ما بين سرد النثر، وشعر النثر، والشاعر يهدي النص بقوله: «الى أمي وهي في قبرها تنام» ويستهله بقوله: «كان الطفل يمضي مع أمه في ظلام القرية الذي غاب عنه القمر فصار يشبه ظلام الرحم في غزارته ورقته حين انعطف بهما الطريق نحو مقبرة «الجيلي» التي علقت بمخيلته، وكأنها تخليص بالغ الكثافة للكون بأكمله».
إن النص طويل ويستغرق الصفحات «7:38» ويمثل القسم الأول من الديوان، وفيه يعبّر الشاعر عن رحيل الأم وما يحس به من فقدان كبير، يجعله يستدعي كل اللحظات التي عايش فيها أمه، طفلا، وصبيا، وشابا ولم يعد له سوى البكاء:
كان عليّ أن أبكي أيها الموت
لكني لا أستطيع
دموعي تجمدت في محاجرها
كالصخر المتحجر في قعر بحيرة
البحيرة الجافة
التي تهزها رياحك العنيفة
كل ثانية وخلجة عين
لتعطي الوجود
دلالة العدم القصوى . «ص 32»
في النص يمتزج أيضاً الغرائبي بالحقيقي، والمحسوس بالمتخيل ولأن جانبا كبيرا من دلالات النص يومئ الى الطفولة بما فيها من تساؤل واحتفاء بريء بالأشياء الى حد اللعب بها، فإن هذا اضفى على النص قدراً من براءة الوعي، وانسراب ذلك الى جمل النص وعباراته. لكن ذلك كله يجعله يعبّر بأسى شفيف عن غياب الأم التي لن يلتقيها إلا في تخوم أخرى:
أنا الذي لا أجرؤ على القول
«بعد غيابك»
لأنني الآن امتلأت بنورك أكثر
بحلم اللقاء في تخوم الأبدية. «ص 26»
القسم الثاني من الديوان يحمل عنوان «الحصان المربوط على نخلة بأطراف البلدة» ويضم «30» نصاً قصيراً عبارة عن مشاهد شعرية لتجارب مكثفة زمانية ومكانية، حيث يومئ الى اللحظات، والشيخوخة، والمستقبل والحنين، كما يتحدث عن الأطياف والغرباء، والصحراء وهي بعض عناوين هذا القسم.
تتسم هذه النصوص بقدر كبير من التأمل والمفارقة:
متكئا على عصاه
ذلك الراعي العجوز
الذي كان يجرف البرادي بأغنامه وأناشيده
في صباح الأزمنة الغاربة
بالكاد يستطيع القيام، بالكاد يستطيع الحركة
من غير رغبة
يتمشى في طرقات أيامه
التي خلت من المارة والأصدقاء
لقد تعب حتى من الذكريات «ص 54»
القسم الثالث يحمل عنوان «الديكة وحدها تحاول انقاذ المشهد وتعيد مياهاً بعيدة في الذاكرة» ويضم «20» نصا قصيرا ثم يأتي بعد ذلك نصان هما «الشاعر» و«مساء جنائزي».
في نص الشاعر الذي يلخص صورة الذات ويعبّر عنها، يرى الشاعر «المصائر تتداعى كسفن تقترب من جبلها المغناطيسي، ينظر الى الفنجان الذي اختفى وربما استحال الى جملة شعرية تجدّف في ليل النسيان». هكذا تجيء تأملات سيف الرحبي، وهي تأملات تقود الى الأسئلة التي تمزج بين ذاكرة الكتابة ومخيلة الذات الشاعرة.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|