الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 04th December,2006 العدد : 179

الأثنين 13 ,ذو القعدة 1427

هامش على (بقيع الغرقد)
نايف فلاح
في بلادنا ليس مثل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة أحشد منها بالمعالم والآثار والأمكنة...وكونها كذلك, فأمر لا حاجة لنا ولا لأحد أن يماري فيه أويبرر له.. وإن كان ثمة حاجة فإنها في السؤال عن مظان هذه المعالم، فما أجهل السواد بها عامتهم وخاصتهم ؟! ومن أشهر هذه المجهولات, أو من أجهل هذه المعلومات (بقيع الغرقد), ويسعنا الجزم بأن (بقيع الغرقد) معدود في أشهر المعالم المجهولة التي امتسخت ثقافياً حتى غدت في آن واحد معلومة مجهولة ..!!
ف(المعلوم) و(المجهول) عند من يعقل شيئاً من اللغة، وكذلك عند من لا يعقلها، لا يأتيان من جهة المعنى إلا في مسرد الأضداد أوالمتقابلات اللواتي اجتماعهن في وصف، من حيث الحقيقة اللغوية، مفضٍ إلى اجتماع النقيضين، لذا، بات اجتماع من هذا القبيل، حسب المنطق- وارداً في قضايا الامتناع .
وإننا إذ نسوق تين اللفظتين (المعلوم) و(المجهول) في نسيق واحد ولغرض واحد، فما قصدنا إلى الوضع اللغوي بأولى منه إلى الإشارة نحو هوية ثقافية مازلنا نعيشها إزاء آثارنا الإسلامية، وإلى أنه ما عاد تآحد المعلوم والمجهول في نساج أو مقام ضرباً من الشذوذ والمفارقة، بل ولعل هذا التوحيد بين اللفظتين ماضٍ نحو التكثر والاتساع طالما ظل الاهتضام والإهمال لهذه الآثار نوعاً من التعبَد المحض، تعبَد متعال على الزمان، يغمط من كل رمزية أودور تاريخي، مسفهاً صوت العبرة الإنسانية التي تبص من خلاله، ومطامناً من معاني الإلهام الحضاري الذي تتجلى عنه، ومهونا من الأرض كقيمة ومفتخر وعبقرية ..
هذا وغيره خراج موقف معرفي بلغ منه التحوط والحذر أن أدخل قضية الآثار (بعد أن أريد لها أن تكون قضية) في إجراء (الطب الوقائي) أو(سد الذرائع)، فتسبب بنية حسنة وبأجندة مسبقة في صناعة التحييد والتجهيل، فما كان له من الفوز من اجتهاده إلا بأجر واحد، ليجوز عليه (نقص القادرين على التمام)، لأنه لو استفرغ الوسع، ووزن الأمور بمثقالها، وعلم أن في المسائل ماهوسيَال متبدل، الإصابة فيه عرض، وأن فيها ما هو ثابت مترسَخ، الإصابة فيه جوهر .. لفاز بأجرين؛ أجر الاجتهاد وأجر الإصابة .
ومهما يكن من شيء، فقد يرى البعض في هذا الحديث شيئاً كثيراً من التخرص والمبالغة، بيد أنني، والحال هذه، أُحيل هذا البعض إلى المسطور مما قيل في الآثار الإسلامية فضلاً وتاريخاً، وأحسبه، إذا تحرر من سابق رأيه سيصيب من الدلائل ما يثبت المذهوب إليه .
فالآثار الإسلامية ليست على الدوام تاريخاً لحركات البدع والأهواء، كما أنها ليست رهناً لقراءة تمت في ضوء مرحلة مظروفة، وكان خليقاً بها أن تنظر إلى مسألة الآثار من منظار (نفي اللزوم بنفي لازمه) لنشوئها عن تصور عقدي أدى إلى إفتاء أوجبته وقائع مستدعية.. أما اليوم فمناشئ ذلك التصور لا تصدق على الوقائع، فالفتوى أوالحكم الذي لا يجد واقعه، ويلح على تطبيقه، يغدو حكماً كسيحاً لا يقاوى الاعتبار الشرعي السليم .. فهل يصح التطبيق في غير ما مطابقة؟!.
فالمشكل كل المشكل إذن يقع في الأحكام المعلولة التي يتذبذب وصفها وجوداً وعدماً، لتحيا بدعم هذا الذبذبان حياة أبدية سرمدية .. ولن يكون لذلك المشكل أو تلك الأحكام بقاء من غير موقف معرفي تقيم وراءه قوة غاذية تعيش الأحكام في تجردها لا في زمكية الحركة ..
هنا يرجع عودي على بدئي، وأقول إنه إذا ما أردنا الإحاطة بالحالة التي ما انفكت عنها أوضاع المعالم الإسلامية، فلعلتا لا نستطيع أن نعرف مدى جهلنا بتلك المعالم ولا سيما (بقيع الغرقد), الذي زالت جهالتنا به أو أنها آخذة إلى الزوال، بعد مطالعة كتاب (بقيع الغرقد) من عمل المؤلفين: الدكتور الفاضل محمد أنور بكري، والمهندس حاتم طه، اللذين خدما المدينة المنورة، كليهما من موقعه.
وليس أكثر منهما دراية بعسر التأليف في هذا الباب، وما عسره ناجم من عسر مادته وعلميتها أولأنها أبيةٌ على التأدي والتحصيل وما يستتبعانه من روية وتفكير،كلا، فالمادة موفورة إنما عسر التأليف يصدر عن مضربه إذ يضرب عنواناً من عناوين غبر بها زمن حفها بسياج أحمر، ظهارته شروط وقيود، وبطانته موانع وسدود، مضار على الأثر كل راغب في طرق هذا الباب هدفاً للظن والتصنيف ...لكنه العشق الذي انغزل في خياطة الكتاب وتناسج في أنساقه، والحق الشجاع الذي يدفع من خلف، والإيمان بالواجب تجاه الوطن ..فلولا هذان المخلصان لبقي (بقيع الغرقد) مجهولاً مثلما كان ..فشكر لهما إذ غزلا وإذ نكثا وسلام عليهما إذ رقيا وإذ نفثا..


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved