استراحة داخل صومعة الفكر ( 1/3 )
|
أغاني العاشقين
محمد التهامي
174 صفحة من القطع الصغير
آه من أغاني العاشقين.. انها في بدايتها وفي نهايتها حصاد تأوهات وتنهدات.. ودموع.. وشجن.. الشعراء أكثر من غيرهم استشعاراً بحبها وعذاباتها.. أما عذبها فطالما اختفى بين ثنايا كلماتهم الشعرية الشاعرة.. هكذا أغنيات العشق شحنة من انفعالات الوجدان لا تلقى لها سبيلا غير الطرح مدادها الدموع، وأحياناً الدماء حين تُسد منافذ السبل في وجهها..
وشاعرنا التهامي خرج أمامنا في أغنيات عشقه.. بأية صيغة طرح؟ وبأية صفة جسد لنا رؤيته للعشق؟ هذا ما يمكن تعرفه من واقع تجربته الشعرية العاشقة في ديوانه أغاني العاشقين».
أول العشق لقاء».. كما يقول التهامي.. خلافاً لما هو متبادل أول الحب نظرة» فابتسامة فلقاء.. لا يهم أن تأتي النهاية بداية..المهم أن يأتي اللقاء بداية بقاء..
«والتقينا.. لا تسلني كيف كنا التقينا»..
لن نسألك.. سوف ندع الاجابة لك.. ولكن كيف..وماذا عند اللقاء.. وماذا بعده؟
«هي نفسي.. هي ذاتي.. ما افترقنا منذ كنا»
لقيا روح بروح لا لقيا جسد بجسد هذا ما توحي به ادبيات شاعرنا..
«مدت الأرض ضلالات.. وأوهاما علينا
وطوانا ظلها الخداع حيناً.. فانطوينا
ثم رف الحب نوراً وانطلاقاً فاهتدينا
فطوينا الدهر والدنيا وعدنا.. فالتقينا»
ما زال فضولنا قائماً يستفزنا ويستحدثنا لقراءة ما بين السطور:
«كيف عدنا والتقينا.. تلك أسرار القلوب
فاسألوها أي نور.. لاح في أفق الغريب»
لن نسألها.. السر لا يعلمه إلا علام الغيوب.. شيء واحد أسألك عنه وأنت العارف.. أفق الغريب» هنا غير معبر.. الا ترى معي أن الأنسب أفق الغروب»؟ لعله كذلك..
شاعرنا يبدو أن حبه ذاب من وهج حبه سريعاً.. هكذا باح لحبيبه.. أي لحبيبته..
«يا حبيبي هات قلبا.. ان قلبي ذاب حبا
ذاب في الأحلام لما.. زاد من عينيك قربا»
لن تهب لك قلباً آخر خشية أن تتمرد به على هواها.. ستترك لك قلباً ذائباً لا يمكن استرجاعه.. لأنه وحده الذي صهرته بحبها فذاب في حبها.. مهما حاولت.. الأفضل لك ولها الاكتفاء بقلب واحد.. أو حتى بقايا قلب واحد لا يمكن أن ينقلب على عقبيه.. مشكلتي مع صديقي الشاعر التهامي أنه رصد زخماً من مقطوعاته الجميلة لا يمكن استغراقها في حيز ضيق من زمن الرحلة.. الأمر الذي فرض عليّ مرغماً أن أتجاوز الكثير من محطات شعرية جديرة بالتوقف عندها:
إني انتظرتك»، هو والحب»، حبي الأول»، ما هو الحب؟»، نداء الحب»، أيام وأعوام»، محطات ثرية بموائدها تكتفي منها برائحة الزاد الشهي.. ونقف في خشية ووجل أمام حلبة مصارعة شعرية.. عنوانها صراع».
«تقول: وتوشك أن تبتعد:
(أخاف عليك لهيب الحسد)
وفي عينها عنفوان اللهيب
وفوق الشفاه لظى متقد»
هل يملك صاحبنا التهامي السلاح لمواجهة ومجابهة استحقاقات المقاومة؟! لا موقف له.. كل أسلحة الاغراء جاءت من جانبها.. أما هو فقد ظل صامتاً مبهوراً.. صمته أبلغ من صوته..
صورة حب» شبيهة بشقيقاتها اطاراً ومضوناً.. حتى يا قلب» الذي ذاب في لقاء حبه الأول ماذا ننتظر منه إلا الغياب.. ولكن يبدو أن نظرة فوقية منها استشاط لها شاعرنا غضباً.. ورفضها:
«أنا لا أطيق لقاءك الـ
ـحاني.. وحقك لا أطيقا
فتجنبي البسمات من
ثغر يعذبني بريقا..
ودعيه يا سمراء، لا
تجري على ظمأ رحيقا
إني أخاف إذا ارتويت يشب في بدني حريقا
هكذا بدأت عملية التوازن بين المقدرة والاستطاعة.. هو يحب نعم.. ولكن يخشى لهيب الحب الذي يكوي القلب إلى درجة الاختراق والاحتراق..
صورة ان نحب.. وأن نخشى سطوة ذلك الحب الذي لا يعرف للاقتحام والالتحام حدوداً..
وللصمت جناية» هكذا يتحدث الشاعر:
لست أدري. وكل هذا التجني
يحكم السد بين قلبي وبيني
إن ينلني الهوان في الحب وحدي
فاتقيه.. يا منيتي.. انت مني»
لست وحدك الذي ناله هوان الهوى واستعبده وأذله.. كثيرون هانوا على أنفسهم وكبريائهم لأن حبهم جنوني العاطفة.. مهزوم الارادة..
«فإذا الصمت عثرة للقائي
وضياع لمهجتي. وتجنّي
فلم الصمت. بعد هذا التلاقي؟
وضياعي ما بين أذني وعيني!
ما وراء السكوت؟ ماذا يغطي
خبريني.. فقد شقيت بظني»
حسناً هذا الصمت منها.. وهذا الشقاء بظنك.. دع الصمت لحاله.. أليس فيه بعض الحكمة.. أو بعض النقمة؟! أين كنت؟» معزوفة شعرية أوتارها مغزولة من الحيرة والتساؤل:
«من هذه؟ من أنت من؟!
أترى هبطت من السماء؟
أم يا ترى وقف الوجود
فلا بقاء.. ولا هناء؟!
راح الزمان بها.. وجاء!»
لقد تركته على الطريق وحيداً يتلمس وقع خطواته الشاردة.. رغم معرفتها به.. لماذا أضاعته؟ وتركت له طريقاً معوجاً مليئاً بالحفر والمنحنيات؟
الشرود يتملك مشاعره.. فلا وردها يعطر بشذاه.. ولا حسنها الآسر يراه رغم أنه يراه.. صراع بين الحسن واللمس ينتهي هذا السؤال:
«هل يا ترى نحيا. وتجري في مجاريها المياه؟» أقول له:
«دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتنَّ إلا خالي البال»
++
يتبع
الرياض : ص.ب 231185
الرمز 11321
فاكس 2053338
++
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|