صدى الإبداع الخلاف الفكري بين تيارين 38 د. سلطان بن سعد القحطاني
|
كان ظهور فكر الاعتزال يمثل نقطة تحول في الفكر العربي، على المستوى النظري، بينما ثبت فشل ذلك الفكر على المستوى التطبيقي، حيث انتهى فكر المعتزلة بانتهاء أعضائه، فلم يترك وراءه مدرسة اعتزالية، وحتى الجاحظ، وهو من المعتزلة، لم يشعر قراؤه بفكره المعتزلي، من خلال مؤلفاته المتعددة، والسبب أن الجاحظ أخذ من كل الموارد الفكرية، حتى ان أبا العيناء سئل: «ليت شعري، أي شيء كان الجاحظ يحسن؟ فقال: ليت شعري، أي شيء كان الجاحظ لا يحسن؟» الحيوان، 1/24. لذلك لم يخلق العداء الذي نصبه الجاحظ وأستاذه النظام للخليل بن أحمد الفراهيدي، عندما ألف كتابه «العين» كأول معجم عربي على النغم الموسيقي، أو ما يمكن أن يعرف اليوم «علم الأصوات» ولم يكن عداء استعداء عليه الناس وحط من قيمته وقيمة كتابه الذي أشاد به الباحثون، كأول معجم صوتي. كما أشادوا بكتبه في الموسيقى، التي قام عليها علم الموسيقى في اوروبا بعده بأربعة قرون، كما يعترف بذلك المستشرق «جون فارمر gohn Farmer الذي أمضى حياته في جمع تراث الإسلام عند العرب، في كتابه «تراث الإسلام».
ويقول عنه الدكتور حسين نصار، في كتابه «في النثر العربي، 191» ويكفي الخليل فخراً أن ما تناول من موسيقا لم يتناوله علماء أوروبا إلا بعد ذلك بقريب من أربعة قرون، أي في القرن الثاني عشر الميلادي، وكان الأوروبيون يظنون أن فرانكو الكولوني «Franco of cologne» هو مخترع هذا النوع من الموسيقا، التي تعلن أن الإشارات لها قيم زمنية مضبوطة، ولها نسب فيما بينها، ثم تبين لهم أن ذلك كله مترجم عن العرب، وأن الخليل فيما يظهر قد عرفها في القرن الثامن، والفارابي في القرن العاشر، واذا كان الجاحظ واستاذه قد هاجما الخليل على ما أنجزه، فإن ذلك رد فعل على الخليل بن أحمد الذي كان يهاجم المعتزلة ويرى في تحديث الفكر ما لا يرونه، وبالرغم من ذلك يعترف الخليل بفضلهم على تحريك الفكر العربي من ناحية، ويعارض بعض افكارهم من ناحية اخرى.
كما ان الجاحظ لم يلغ فكر الخليل ولم يصادر عبقريته الفذة، لكن يرى أن النجاحات التي حققها في فن العروض أغرته للقيام بفن يتصل بفن العروض، إن لم تكن العروض أساسا له، ذلك هو فن الموسيقى، ودليل نجاح الخليل اختلاف الآراء حوله، وهذه الآراء تعطي المتلقي فكرة واضحة عن حرية الرأي التي افتقدها العالم العربي بعد ذلك العصر الزاهر في عمر الثقافة العربية يقول الجاحظ، مؤيداً أستاذه، في كتابه الحيوان، 1/150، من عرض كلامه عن أبي واثلة والخليل».. وغره من نفسه الذي غر الخليل بن أحمد، حين أحسن في النحو والعروض، فظن أنه يحسن الكلام وتأليف اللحون، فكتب فيهما كتابين لا يشير بهما ولا يدل عليهما إلا المرة المحترقة، ولا يؤدي إلى مثل ذلك إلا خذلان من الله تعالى فإن الله عز وجل لا يعجزه شيء» وإن كان الجاحظ قد عاب على الخليل تأليفه لكتب الموسيقى، وأنه كما يزعم لم ينجح في هذا المؤلف نجاحه في بقية مؤلفاته العروضية والنحوية، فإن الجاحظ نفسه قد كتب في كل العلوم والمعارف ولم يعبه أحد، حتى الخليل وهجوم الخليل على المعتزلة هجوم فكري وليس علمياً، والخلاف هنا خلاف فكري وليس خلافاً علمياً، وان كان الكلام في هذه الحالة لم يوجه إلى الخليل مباشرة، بل وجه في أساسه إلى أبي واثلة، فإنه نقد للفكر وليس للمادة، أي أنه نقد شمولي، للفكر بشكل عام، بما فيه المادة العلمية المنقودة، وبظهور الفكر المعتزلي، الذي أشرنا إليه، وتفرعت منه مدرسة الجاحظ، ذات الثقافات المتعددة، ومن سار على منهجه من الكتاب العباسيين، الذين جددوا في نظم الكتابة العربية، وطوروا النثر العربي وحرروا الفكر الكتابي من سيطرة الكتابة الديوانية، بعد سالم «مولى سليمان بن عبدالملك» وتلميذه عبدالحميد الكاتب.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|