الإبداع الأدبي السعودي وسؤال الهوية الفنية (2/2)
|
عبدالله السمطي:
وفي الرواية التي تشهد في السنوات الخمس الماضية توهجا بينا ظهرت آفاق جمالية جديدة يمكن إبرازها في التالي:
الانتقال من «الحدوتة» إلى «الرواية» ومن «الثرثرة» إلى «الحبكة» ومن اليقين إلى السؤال.
إبراز العناصر المكانية، وتقديم البطل الاشكالي بتعبير لوكاتش لا البطل الهارب إلى الخارج الذي يلملم أحداثه خارج الوطن.
الاقتراب بشكل حثيث من آليات الخطاب الروائي الحديث، والاحتفاء بجماليات السرد، لغة، وأسلوباً، ومفارقة، وتوظيفا لتقنيات الاسترجاع والاستباق، والرسائل والوثائق، وتعدد الشخصيات ونموها بشكل فني حقيقي.
مفارقة العوالم الرومانسية البسيطة التي جاء بها رواد فن الرواية السعودية، والاقتراب من عالم الرواية في البلاد العربية التي تطور فيها هذا الفن بشكل لافت.
إن الرواية السعودية بهذا انتقلت بشكل نوعي إلى مشارفة عوالمها الجديدة، خاصة في الاحتفاء بالشخصيات المهمشة، والسرد السيري، والتعبير عن المكان كما في روايات مشري، وعبده خال، والدويحي، وتركي الحمد والشمري وغيرها. لقد قدم الحمد أمكنة لم يكن يعرفها القارئ ولم ترد بهذا الزخم من التفاصيل والأحداث من قبل في «أطياف الأزقة المهجورة» كتابة جديدة، وتواريخ غير معلنة، وجرأة غير معهودة.
الأمر نفسه في روايات عبده خال «مدن تأكل العشب» و«الأيام لا تخبئ أحداً» و«الطين» و«رياض» أخرى خلفية قدمها الكاتب الشاب محمد حسن علون في روايته «سقف الكفاية».
كل هذه الكتابات الشعرية والنثرية أفضت إلى تكوين «هوية» دلالية وموضوعية للأدب السعودي، لكن الهوية الفنية الجمالية الخصوصية مازالت غائبة، وهنا مكمن السؤال: لماذا أفضى تطور الأدب السعودي إلى ابتكار الهوية الدلالية وغياب الهوية الفنية الجمالية؟ قبل الإجابة على ذلك نشير إلى ان النقد الأدبي في السعودية تطور هو الآخر على مستوى المفهوم وعلى مستوى اللغة، والنظرة إلى النص.
إن تهذيبا وتشذيبا كبيرين حدثا في نسق النقد الأدبي بالسعودية في العشرين عاما الأخيرة، فقد اختفت الرؤى الانطباعية وشاعت مفاهيم البنية والأسلوب، والنسق، والخطاب، والنص، والتناص وغيرها من المفاهيم التي جاد بها نقد الحداثة ومابعدها وما أنجزه الغذامي والسريحي والبازعي والزهراني والرويلي، وغيرهم من النقاد الذين يشتغلون ضمن الأفق المفاهيمي الجديد يستحق التأمل والبحث.
بيد ان سؤال الهوية الجمالية يعيد طرح نفسه على الابداع الأدبي السعودي، فلم يصل هذا الابداع في أغلبه إلى تكوين هوية فنية لها خصائصها الجمالية المتميزة على مستوى الابداع العربي بوصفه كلا ويمكن ان أعزو ذلك للأسباب التالية:
إن تطور التقنيات الفنية رهين بالهاجس التجريبي، والتجريب نتاج للمفاهيم الحداثية التي تكسر سلطة القارئ ورصيده الاجتماعي والسيسوثقافي لتدخل إلى سلطة النص وتعامله مع اللغة. وهذا ما لم يحدث في أغلب الأعمال الابداعية بالمملكة.
وقوف تجارب البلدان العربية الأخرى كبلاد الشام والعراق ومصر على مخزون أدبي مديد سبق تجربة الأدب الجديد في المملكة.
المبدع السعودي قارئ بشكل نهم، وهو يلجأ دائما إلى تمثل ما قرأه وإعادة انتاجه أو استنساخه تقنيا وفنيا.
لم ينتقل الابداع الأدبي السعودي بعد إلى مرحلة التأثير في الآداب العربية الأخرى بسبب عدم وجود المركزية الثقافية حتى الآن، وعدم ايصال صوت المبدع السعودي وكتاباته إلى القارئ والأديب العربي، وسوء توزيع المطبوعات السعودية التي من المفترض ان تصل لمنافذ التوزيع وتقدم تحت فضاء ثقافي آخر، يمحو الأفكار الشائعة عن الأدب العربي السعودي ويمحو الذهنية النفطية التي يشكلها متلقو الأعمال الأدبية السعودية في الخارج، والتركيز على الأسماء الجديدة، والتجارب المتجاوزة أو التي تقترب فنيا من نتاجات الأدباء العرب.
إن سؤال الهوية الفنية، سؤال بالغ الأهمية لتحقيق نوع من الإقبال على الأدب السعودي في نماذجه الجيدة. وقد حقق هذا الأدب هويته المكانية في نتاجاته الأخيرة وبقي على أدبائه تحقيق هذه الهوية الغائبة: الهوية الفنية والجمالية.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|