لنفتح صدورنا للنقاش الأدبي
|
للأدب رسالة جليلة ومسؤولية عظيمة وغاية كريمة، ولكي يؤدي الأدب مهمته ويحقق نجاحه وازدهاره وتحقيق الفائدة المتوخاة فلابد من طرح الآراء الأدبية بروح الصدق والإخلاص والبعد عن المجاملة والحقد وما شابه ذلك، وأن نفتح صدورنا للأحكام النقدية ذات المنهج الموضوعي الواضح البعيدة عن أسلوب المجاملات ومراعاة العلاقات الشخصية. فنحن أحوج ما نكون إلى الناقد المؤهل الذي يحدد موقفه ويقدر المسؤولية الملقاة عليه.. وللأسف فكم نقرأ بين وقت وآخر مقالات نقدية تخلق الخصومة والعنف وتؤجج نار العداء والبغضاء مما يذكرنا بأشعار الهجاء التي يحفل بها تاريخنا الأدبي والتي كان لها أثر كبير في خصومات الشعراء. وقد قيل كان النابغة الذبياني تضرب له قبة في سوق عكاظ وتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فأنشده الأعشى ثم أنشده حسان بن ثابت ثم الشعراء، ثم جاءت الخنساء فأنشدته، فقال لها النابغة: والله لولا أن الأعشى أنشدني آنفاً لقلت إنك أشعر الجن والإنس. فقال حسان والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك. فقبض النابغة على يده ثم قال: يا ابن أخي إنك تحسن أن تقول مثل قولي:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وهكذا كان النقاش والجدل حول مضمون النص المسموع أو المقروء بروح عالية. لقد كتب أسلافنا في النقد كثيراً وافتنوا في هذا افتناناً يدعو إلى التقدير والثناء. فمن مؤلفاتهم في هذا المضمار الشعر والشعراء لابن قتيبة .. محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للأصفهاني.. وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني.. الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني.. والعمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق وطبقات الشعراء لابن سلام وكتاب الأمالي وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري وغير ذلك.. إن المهم ليس في المبالغة والتهويل والتحدي بل بمناقشة الأفكار الأدبية كما ينبغي أن تناقش بروح موضوعية ما تحتويه كل الآراء والأفكار من مضامين وما تفيض به من فكر ناضج ورأي سديد وما تعكسه من دلالات، مرحبة بالعمل الفكري الخلاق. فكم من كلمة هادئة عاقلة كان لها من التأثير والفائدة أكثر من الكلمات المرتفعة والعبارات الصارخة ومما تتركه من تعقيد وابهام. ان علينا أن ندعم كياننا الأدبي بطرح الآراء المجدية والتجارب الأدبية المفيدة التي تسهم بعملية البناء الأدبي والنهوض الفكري والازدهار الثقافي وان نفتح قلوبنا لكل المناقشات البناءة المثمرة.
ومن هنا كان على الأديب والكاتب أن يكون أكثر دقة وسعة صدر وتحريا للصواب وأن يزن الأمور بميزانها السليم وطبقاً لما تقتضيه الحال من مرونة ولباقة. فالأديب موجه ومصلح وداعية بل مرآة المجتمع، ولذا فإن عمله وسلوكه وقوله مأخوذ عليه.
عبدالله حمد الحقيل
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|