الثقافة.. وإطلالة رمضان المبارك قاسم حول *
|
كل عام وقبل شهور من إطلالة الهلال في أول يوم من أيام شهر الصيام تنشغل البلاتوهات والاستوديوهات في العالمين العربي والإسلامي لتصوير ومنتجة البرامج الدرامية وبرامج التسلية لتقدم في شهر رمضان المبارك، وبشكل خاص فيما يطلق عليه برامج الذروة التي تعتبر الفترة المسائية بشكل عام وفي رمضان بشكل خاص موعدا لمثل هذه البرامج.
ففي هذا الشهر الكريم تنحسر البرامج السياسية وتبرز برامج التسلية والترفيه والبرامج الدرامية إضافة الى البرامج الأساسية وهي البرامج الدينية. السؤال المطروح: ما هي طبيعة البرامج الثقافية الأدبية منها والفنية التي تتناسب وحرمة هذا الشهر وهدوء الناس وصبرهم؟.
البرامج الرمضانية التي أصبحت تقليدا سنويا هي تشبه التقاليد التاريخية قبل ظهور وسائل الإعلام، فكان الناس يجتمعون في رمضان ويؤدون تقاليد في اللقاءات وشرب القهوة والألعاب الشعبية في أواخر الليل.
وفي رمضان يكسل الناس عادة وتقل ساعات العمل ولاسيما إذا ما صادف رمضان صيفا. هنا وبعد تطور وسائل الإعلام وظهور الفضائيات فإن الشاشة التلفزيونية أصبحت بديلا عن الزيارات، حيث صار الممثلون ومقدمو البرامج والأعمال الدرامية وبخاصة التاريخية ضيوف رمضان، يزورون العائلات بدون استئذان.
المراقب للبرامج الرمضانية يلمس غياب المعرفة وطغيان التسلية المجردة على البرامج، كما يلمس المشاهد تكرار الوجوه وتكرار البرامج وتكاد أن تكون واحدة لولا اختلاف العناوين.
الأمر الذي يدعو إلى الحيرة هو أن البرامج المنتجة تباع لكافة المحطات، ولذا فإن الفضائيات مع كثرتها غير المعقولة تشتري ذات البرامج وكلها طبعا ناطقة بالعربية، فالمشاهد محكوم بمشاهدة برامج مفروضة عليه.. وظاهرة النظر نحو الشاشة أصبحت تندرج ضمن مفهوم الاعتياد، والعبث بجهاز التحكم عن بُعد أصبح موضع خلاف العائلة خاصة الفئات المتوسطة والفقيرة من المجتمع التي لا تستطيع اقتناء أكثر من جهاز تلفاز واحد مركون في مكان واحد من البيت هو صالة الجلوس التي يتجمع الأهل أمامها.
إنّ فكرة بيع البرامج والدراما إلى كافة الفضائيات تعدم فرصة المنافسة الثقافية والإبداعية، وعدم بيعها إلى كافة الفضائيات وحصر كل برنامج بمحطة واحدة يؤدي إلى خسارة محققة للشركة المنتجة، لأن ثمن الحلقة الواحدة للمحطة الواحدة بالأسعار المتداولة هي عملية ليست اقتصادية.
هنا تأتي مسألة احترام المشاهد الذي يتمثل في أن تنتج المحطة الواحدة برنامجها آخذة بنظر الاعتبار هوية المحطة وهدفها والجمهور المستهدف، وبعكسه فإنها تصبح قناة مكررة ويصبح عدد الفضائيات محض عبث اقتصادي وثقافي واجتماعي، تماما مثل الصحف التي لا يمكن معرفة عددها في المنطقة والتي تملأ أرصفة الشوارع لا يقتني المتابع منها سوى صحيفة واحدة ومجلة واحدة هي الأكثر شهرة والأكثر موضوعية، وتصبح بقية الصحف والمجلات مجرد أوراق متكدسة يرفض الموزع استرجاعها وخزنها فتباع إلى شركات إعادة التصنيع وتعود مجرد ورق تنظيف بكل أنواعه!. أما الفضائيات فإن الفضاء صار مختنقا بها ولم تعد ثمة مواقع كافية للتأجير على الأقمار الاصطناعية ولا تعرف من يحرك هذه اللعبة.
وفق هذا الواقع تنتج البرامج الرمضانية وتهيمن على توزيعها شركات توزيع محددة صارت بمثابة شركات احتكار للسوق التلفزيونية.
عالم الفضائيات عالم منافع ليس بالإمكان اختراق كارتل الإنتاج ولا كارتل التوزيع ولا حتى كارتل توزيع الأدوار على الممثلين؛ ولذا فإننا نرى تكرار الممثلين في الحلقات التلفزيونية، وأصبحت ثمة شروط لتوزيع الأدوار وأيضا ثمة منافع متبادلة بين المخرج والممثل، وهنا يضيع الجمهور الطيب المسكين الذي يدفع ضريبة المشاهدة والاستماع، يدفعها في الغرب نقدا ويحصل على برامج محسوبة وبرامج تعليمية ودرامية وإخبارية فيما يدفع المشاهد العربي ضريبة المشاهدة سلبا من سلوك أبنائه والخوف على مستقبلهم لأن الميديا هي مصنع الجيل.
فكيف بشهر مبارك مثل رمضان ينتظر فيه المتلقي البرامج القيّمة ذات المضامين التربوية، وبرامج عن تاريخ له دلالات يمكن إسقاطها على الحاضر، فيما نرى المسلسلات التاريخية التي تقدمها الفضائيات مدعاة إلى الضحك حقا من كثرة ما تحتويه من أخطاء تاريخية على المستوى الفني للمعالجة الدرامية وعلى مستوى مكونات المشهد التلفزيوني.. فكل أثاث المسلسلات التاريخية التي تزدحم على الشاشات في شهر رمضان أثاث من سوق الحميدية في الشام أو خان الخليلي في مصر مصنوعة من الخشب المزركش، وأسرة النوم التي لم تكن موجودة بشكلها الحالي تزين بيوت الخلفاء التاريخيين، فيما أسرة النوم في ذلك الزمان هي بناء على شكل (دكة) يشبه السرير توضع فوقها الفرش، أما كرسي الخليفة فهو من الكرسي الصدفي، فيما الخلفاء جلسوا إما مفترشين الأرض أو يجلسون على أريكة (كنبة)، فلم تكن لهم كراسي الأبهة الأحادية، وعلى طاولة الخليفة أنواع الفواكه وحتى الموز الذي لم يكن متوافرا في ذلك الزمان ولاسيما إذا ما شاهدنا الموز من النوع الصومالي الذي يصلنا اليوم بالحاويات المبردة.
أما الملابس فإن تلك الجبة المزركشة الثقيلة لم تكن ملابس الخلفاء.
هذه الجبة هي عباءات تباع في الأسواق الشعبية في عمان والقاهرة ودمشق..
أما جبة الخليفة فكانت خفيفة، وما هذه الجبة التي نراها تزين هارون الرشيد والمنصور والبحتري والمتنبي والحجاج؟؟ فهي لم تكن كذلك بل كانت قطعة خفيفة من الصوف، فطبيعة الطقس حتمت تلك الملابس.
أما ملابس الممثلين الذين يؤدون دور الخلفاء فإن تلك الجبب لا تصلح أساسا حتى لحركة الممثل، فهي تثقله وتجعل حركته خشبية فيما يحتاج الممثل للمرونة في الحركة.
نحن نجد الممثلين مغسولين بالعرق الذي يتصبب من رقابهم، تجدهم محرجين في الأداء من شدة وحرارة بروجكتورات البلاتو.
ضحك على ذقون المشاهدين وعجالة في الكتابة والإنتاج ولعب على الأحداث التاريخية وعدم قراءة التاريخ قراءة واعية لا تدل سوى على عدم احترام المشاهد بل واستغفاله.
الطريق الصحيح نحو برامج رمضانية أن تقوم المحطات الفضائية بإنتاج برامجها ولا تعتمد على البرامج المقدمة من قبل شركات الإنتاج المحتكرة..
تضع الفضائية شروطها وتقوم بتكليف كاتب مرموق ومخرج مرموق لكي ينتج المسلسل الدرامي أو برنامج التسلية وفق الشروط النظامية للعمل التلفزيوني ويأخذ مداه الزمني في الإنتاج.
عندما تضطر تلك الشركات التي تنتج العجالة في البرامج الرمضانية فسوف تفكر ألف مرة قبل أن يقول المخرج .Action
*مخرج سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo. Nl
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|