المعلومات والمكتبات في ظل التشكيل الوزاري الجديد سعد الزهري
|
حظي التشكيل الوزاري الجديد باهتمام كبير من لدن عامة الناس والمثقفين ورجال الإعلام كونه يأتي بعد أربع سنوات لآخر تشكيل، وكونه يأتي في ظل الكثير من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها وتشهدها المنطقة، لقد ألقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بظلالها على المنطقة خلال العامين الماضيين ابتداء بضرب افغانستان وإحلال حكومة مكان حكومة طالبان، ثم العدوان الأخير على العراق ومرورا بمراحل (المد والجزر) التي تعيشها القضية الفلسطينية، هذا فيما يتعلق بالسياسة، أما فيما يتعلق بالاقتصاد فإن مسألة السوق بالنسبة للبترول وحجم الإنتاج وتغطية العجز فكانت هاجساً عمل المسؤولون على التعامل معه بما يحقق المصلحة الوطنية، وأما التطورات الاجتماعية فإنها متلازمة مع التطور المذهل الذي شهدته ساحة التلفاز الفضائية وشبكة الاتصالات والمعلومات/ الانترنت، مما كان له كبير الاثر في العديد من التطورات الاجتماعية وبالأخص فيما يتعلق بالتعاطي مع إتاحة المعلومات، سلعة المكتبات الأولى. من أجل كل ذلك، جاء النظر فيما يخص المكتبات والمعلومات السعودية ليعدل الحالة العامة الإدارية للمكتبات وينقلها من وزارة الى وزارة في خطوة كبيرة وتستحق هذه الوقفة التحليلية لما يمكن ان تُنتج هذه الخطوة وما هو متوقع أن تسفر عنه. تشهد الحالة الإدارية للمكتبات السعودية تنوعا كبيرا في مرجعياتها، منه ما هو منطقي ومعمول به على مستوى العالم، ومنه ما يظن وكأنه حالة فريدة نختلف فيه عن غيرنا. ومسألة أن نختلف به عن غيرنا مقبولة متى كان هذا الاختلاف منطقيا ويحقق أهدافاً محددة، لكنه ليس كذلك فيما يخص ارتباط المكتبات العامة بوزارة المعارف، فلم يكن ارتباطها إلا لعدم وجود هيئة وطنية متخصصة للمكتبات (وهذا الذي كان المكتبيون يأملون فيه) ولعدم وجود وزارة للثقافة. ولذلك فقد جاء القرار بإلحاق المكتبات العامة بوزارة الثقافة والإعلام محققا لمعظم الأهداف التي يسعى المتخصصون في هذا المجال، وبخاصة ان وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقا) كبيرة وضخمة من حيث الحجم مما يضاعف العمل الإداري على الوزير ووكلائه، هذا ما ناحية ثم إن ارتباط المكتبات العامة بوزارة الثقافة أكثر منطقية لأن المكتبات والثقافة صنوان.
هذا فيما يخص المكتبات العامة، أما المكتبات الجامعية فقد بقيت من موقعها الطبيعي، كما بقيت المكتبات المدرسية ومكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة في مواقعها، ولم يأت ذكر لمكتبة الملك فهد العامة في جدة، كما لم تُذكر المكتبات التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وكان منطقيا أن تُضم هذه المكتبات للوزارة الجديدة حتى يكون هناك جهة واحدة مسؤولة عن المكتبات العامة.
أما الوضع الحالي فقد انتقلت مرجعية الإدارة العامة للمكتبات من وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقا) إلى وزارة الثقافة والإعلام، وهذا يقضي بأن تنتقل الإدارة العامة للمكتبات وجميع أجهزتها وموظفيها وكل المكتبات العامة في المملكة التابعة لوزارة المعارف إلى وزارة الثقافة والإعلام، ويظن انه لم يتم بعد تحديد ما إذا كانت المكتبات ستتبع مديرا عاما أم وكيلا للوزارة. وإن كان هذا لا يوازي في الأهمية أن تجد المكتبات العامة الاهتمام الكافي لنقلها من حقبة المكتبات التقليدية التي لم تعد تجذب المستفيدين والرواد الى مرحلة المكتبات الرقمية التي تسعى بنفسها لتخدم أفراد المجتمع في مواقعهم ومن مكاتبهم، ومن هذا المنطلق أشعر أن هناك ارتباطاً (عضويا) إن صح التعبير بين هيكلة المكتبات العامة في وضعها الجديد وبين وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وعليه فيجب على المسؤولين في هاتين الوزارتين تحديد المسؤوليات تجاه عمل كبير ودؤوب لنقل أكثر من عشرين عاما، وهذا فقط مؤشر على بطء سير التقدم العلمي الذي تعيشه مكتباتنا مقابل ما تجده المكتبات في البلدان المتقدمة.
لقد قامت بريطانيا بدراسة لأوضاع تقنيات المعلومات فوجدت أنها متخلفة بنحو 3 سنوات عن أمريكا فاستنفرت القوى ورصدت الميزانيات وأغدقت على البحوث المدعومة حتى ترفع مستوى المكتبات وخدمات المعلومات في بريطانيا. ولذلك فقد أنشأت الحكومة البريطانية مكتباً، يشرف على تطورات المكتبات في بريطانيا بميزانيات ضخمة، أنتج العديد من المنجزات منها شبكة المكتبة العامة (تضم كل المكتبات العامة في بريطانيا) وخدمة (اسأل مكتبياً) للإجابة عن الاستفسارات الواردة من الجمهور، فضلاً عن إدارة (النقلة التطويرية) التي تعيشها المكتبات بسبب تقنيات المعلومات الجديدة.
من أجل ذلك، يتبدى سؤال عن كيفية الترابط بين وزارة الثقافة والإعلام وبين وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات فيما يخص أموال المكتبات العامة؟!
كما أن هناك مسائل مهمة كثيرة ستمر خلالها المكتبات العامة في طريق (نقل) ارتباطها بوزارة الثقافة والإعلام منها ما يخص التقنيات التي يجدر أن يكون لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات دور فيها، ومنها ما يخص الموظفين الحاليين الذين سيحاول البعض منهم البقاء في وزارة التربية والتعليم، وبخاصة من هم على سلم المدرسين الوظيفي، مما سيفقد المكتبات العامة نخبة من خيرة موظفيها المتخصصين بسبب الفارق الكبير بين ما يتقاضاه الموظفون على الدرجات الحكومية وبين ما يتقاضاه الموظفون على السلم الوظيفي الخاص بالمعلمين، ولو افترضنا أن انتقال الموظف سيكون على راتب يوازي ما يتقاضاه حاليا فسيبقى في غير صالحهم بالنظر الى الفرق في حجم العلاوات السنوية بين السلمين. خلاصة القول ان المكتبات ستخسر موظفين جيدين في وقت ستحتاجهم المكتبات العامة فيما لو قُدر لها أن تسير نحو الانتقال لمرحلة المكتبة الرقمية.
المكتبات العامة من حالتها الراهنة إلى مرحلة المكتبات العصرية بكل ابعادها ومكوناتها ووظائفها وتقنياتها الجديدة. ثم إن هناك خبرة جيدة وإمكانات بشرية ومادية تمتلكها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة اكتسبتها خلال عمرها الوجيز منذ نشأتها عام 1408هـ ويمكن أن تفيد وزارة الثقافة منها.
نحو أفق بعيد
إن أي تطوير لوضع المكتبات في المملكة لا يأخذ في الحسبان الحالة المتطورة التي تعيشها المكتبات في العالم التقدم لن يحقق أي طموح ولن يسهم بالتالي في تطور البلد والأمة. ولذلك فإن مسألة الاطلاع عن كثب على احوال المكتبات المتقدمة أمر ضروري عند التخطيط لإنجاح نقلة نوعية للمكتبات في المملكة.
إن نظرة عجلى على المكتبات في امريكا مثلاً ستعطي دلالة إلى أي مدى تتجه التطورات في مجالات خدمات المعلومات فمنذ عام 1994م والمكتبات الأمريكية تمر بمرحلة تطور تقني وفني جديرة بالدراسة فيما لا يزال المكتبيون العرب والمؤسسات الحكومية والخاصة العربية تحاول ان تقنع ذواتها أنها متطورة، في حين ان المستفيدين قد اتجهوا إما لمصادر مختلفة أو أصبحوا يعتمدون على الانترنت بما فيها من عيوب علمية (ولهذا وقفة أخرى) أو أنهم واصلوا الاعتماد على مضض على مصادر المعلومات التقليدية التي تقدمها مكتباتنا.
لقد أنفقت الحكومة الامريكية والمؤسسات العلمية الربحية وغير الربحية في امريكا بلايين الدولارات على المكتبات، وهو الحال نفسه في بريطانيا وكندا والمانيا وفرنسا واليابان، بل إن دولاً مثل الهند وسنغافورة وماليزيا قد قطعت شوطاً هائلاً في الإفادة من تقنيات المعلومات لخدمة المجتمع المعرفي ولتسهل الوصول لأي معلومة من أي مكان وفي أي وقت لأي باحث.
إن هذه التطورات الهائلة تجري من حولنا في حين مازال عمداء المكتبات يخططون ويناقشون قضايا الإعارة بين المكتبات التي لم تتكلل بالنجاح منذ بدء مناقشتها قبل.
* أمين عام الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|