"ميلاد بين قوسين" فضاء الكتابة الحرة..!
|
* الثقافيةمحمد الدبيسي:
في "ميلاد بين قوسين" تنطرح اشكالية هوية "الكتابة" وتبرير تصنيفها، ما بين الاحالة الى النسق الابداعي ادبياً.. شعراً ونثراً.. ومقالة وقصة..
* وبين ما يمكن ان يعبر لحظة التلقي القرائي من انطباعات.. وكانت قضية "تداخل الاجناس" معبراً تبريريا.. يراهن عملية الكتابة الحرة.. غير المرتهنة للنسق النوعي.. بما يوسع من فضاءات تكونها.. وآفاق تلقيها.. وفقا لحالة الادهاش والانفعال.. واظن ان ذلك.. او مثله .. قد طاول كاتبة هذه النصوص "هيلدا اسماعيلش لتجعل من اسئلة "التصنيف اختراقاً لعباءته صوب لحظات التجلي القرائي لتجربتها الاولى.
* وان كانت عبارة "نصوص لم تنثر بعد" التي سجلتها على استحياء في الغلاف الداخلي وشيجة خفاء .. تستبطن رؤيتها الكتابية وتدفعها عن قامة الاسئلة .
وبكل ما ظفرت به تجربتها "ميلاد بين قوسين" من عناية شكلانية بدءاً من تقاسيم الغلاف وفراشته النارية والاناقة الطباعة في اختيار نوعية الخط.. والخاصة الورقية اللامعة.. واعتماد صف الكتابة بالشكل الرأسي.. الذي يترك مساحة من البياض على جانبي المتن.. استهدافاًَ لفضاء بصري يتشكل ضمن المادة المدونة..
* وكذا.. تكحيل العناوين ببنط اشد سواداً.. وهذه الموازيات الشكلية تتداخل في النسيج الكتابي المكون للمضمون ويقصد الرؤية الجمالية العامة له.. وهي نوعية كتابية تنهض بمساق جمالي.. تعبر عنه النصوص المستجمعة للحظات تأملية.. تصيح لدفق خاطري يمزج ما بين رومانسية الاداءالتعبيري وتكوين الحالة الجمالية للمكونات البسيطة في المحيط اليومي المدرك بالحس الظاهر واستغلاق على الذات باخلاص مرير يتهجى لحظاتها ودقائقها بانصات ومضي متدفق.
لئن تسأل من تكون!!
ما زلت عالقاً بأهدابي كما كنت دائما ما زلت متمسكاً بآخر حبل للذكرى وبآخر نفس للاحتضار.
هل يمكن ان انسى هذا الصوت وان غادرني صوتك ص49.
* فالتعالق النصي مع الذات.. ومحارلة استدرارها وتدوين هاجسها باعتبار "المخاطب" فارس حلمي .. يستدعي الخطاب الذاتي.. وتلقيه لأسئلة وقرارات المتكلمة "الثانية" والتنويع على مساحات تستحثها صيرورة النص وبناه بالقدر الذي يمنح لحظة الكتابة افراز أدق مكنوناتها.. وتملي طرائق التفكير الصامت لحالة نفسية عابرة.. تستوجد لها ثباتاً يقينياً بالتعبير..
من علمني كيف أقف أمام مرآتي..؟
كيف اخلع حذائي المدرسي
واقص ضفائري الطويلة
وشرائطي البيضاء؟!
هل يمكن ان انسى من علمني
رسم الحرف.. وبوح النزف ودهشة القصائد؟؟
* فاعادة شعرنة التفاصيل الانثوية واستجلاء بعدها في الضمير المفترض لحالة الاحساس بها وتسجيلها يعبر عن مستوى جمالي لحالة تأمل.. في عدد من الصياغات التصويرية.. اصغاء لتجلي اللحظة.. يجعل من مرادافات هذه الحالة تتبعاً استثنائياً يقوض تقليدية الاشياء المدركة.. ويحيلها الى كتابة جمالية.. حيث تتلو سيرتها بتلذذ واضح.. تفصح عنه اللغة.. كملاذ للتأمل.. واحاطة واعية بنتيجة اللحظة.. ودواعي انعكاساتها على الكاتبة وما بين الشجن المكتسي الرغبة التواقة للبوح.. الى الفرح العارم .. بقيمة الاحساس بالاشياء.. تظل ايقونة "الميلاد" معبراً وتوقياً.. يعيد الكتابة الى تواريخها.. وزمنها المنشد الى البدايات.. وابجديات الانطلاق.. المرتهن ل"الميلاد".
* والكتابة.. هنا.. تستقصي كوامن طاقات التعبير المحتشدة.. والمواربة للتوتر الحاد.. لتجعل من ترداد "الميلاد" نصاً ثبوتياً مسنداً للعناوين والتفريعات النصوصية .. وتبتني خيالاً موحياً بتأثيث الفضاء الكتابي يكنه ظواهره واحالات الظواهر لعمق شعوري يختزلها ويعيد انتاجها على النحو الجمالي "اعترفت لي بأنك تشبه الضوء.. تبعث نورك لتملأ الحنان تخترق السواد.. والستائر والاثاث تسيطر على الرؤية .. وتختزل المسافات وبأنك تمارس الاخلاص لأن من طبيعة الرجل الضوء.. الانتشار" ص57.
* وفي فراغ الحالة العشقية المعبر عن تجليها طرفي خطاب كتابي المتكلم.. والمخاطب ودائرة مغلقة للبوح.. لا تند عن اطرافها .. تتكون فيها.. باصرار مهيمن على تأنيث فراغات التأمل.. واستعادة دالة الاحساس بالمخاطب.. تمتد ما بين الواقعي المنظور.. والمتخيل في الأفق الكتابي الذي تتواتر مدوناته.. على تأكيد هوية الخطاب العشقي.. لفعل الكتابة ذاته.. وليس للمخاطب..!
* والخطاب هنا.. ينبع من دخيلة ممتلئة بالبوح.. تنثره على المسافة التي لا تأبه بالاجابات.. وتترك اسئلتها المتأملة في مشترك نصوصي يتقاطع مع الشعرية النزارية.. لايجاد ايقاع غنائي.. يتلبسها الى حد ضياع صوتها في خيلائه.
* على ان امتداد هذه المتداعيات الغنائية في تفاصيلها الدلالية.. في مثل هذا الكم من النصوص.. لا تنزاح الى الانشائية وفوضى تراكمها.. بقدر التزامها بالشرط الابداعي الخلاق.. الباعث على تكوين صياغات ماثلة ومتآلفة لصناعة ولادات كتابية متعددة.
* فلكل "ميلاد" حالة منفصلة .. تستجيب بطواعية مرنة للكتابة.. وتكوين موقف.. وتدوين اعتراف.. منشدة الى مستوى الهمس الخفي.. الذي تفضحه كتابتها.. ومن ذلك .. ازعم ان لمثل هذه النوعية من الكتابة الحرة.. اسناداتها الثقافية التي تجعل منها تجربة ترقى الى ما يجاوز تداعي الخواطر.. وتدفق التعبير الادبي بمعنى اختراقها للمقالي الوجداني الى لغة.. تستنير طرائق الاختلاف الى البحث عن تفريعات حرة في اشكالية تداخل الاجناس.
* وان كانت اقرب الى الشعرية في مستوى صياغاتها اللغوية وخيالها الجمالي.. فوظيفة الجملة لديها.. نواة تؤسس دلالات التداعي وتحفيز نواتها على بث قوة اللغة وحداثتها في دائرة الكتابة وآفاق تكويناتها.. ومزاجها الغنائي.. لا يلبث ان يتحول الى تقاطعات شجنية.. تستريب المخاطب.. وتحاول تكديس نموذجيته الفوقية.. لتعاود رسم نرجسيته في حوار طرفي.. يكثف مدى ايلاماته في ذاتها.
* اما الزمن.. فكان الرؤية المتحللة من الزاماتها الدقيقة ومنحسرة في معيار لفظي محدد "ميلاد" يعبر عن الحالة.. وليس الوقت.. بينما ينزاح بتلقائية.. لتوثيق لحظات منتقاة من الوعي الكتابي ويتبوأ اقتناص محطات عمرية تؤرخ لها الكتابة.. وباستشفاف ذاتها.. من تلك التواريخ العابرة منحصرة في اطار ذاتي.. تتلون فضاءاته.. وفقاً لارادتها العلنية.
* وتنشد باصرار يقيني على استبطان ساحات تأملها لكونها الخاص.. التي تتصاعد خباياه محفوفة برغبة جادة لايجاد جماليات تعبيرية لتدوينه.. وذلك ما يجعل ذاتها .. مداراً لصيرورة التعبير وتشيوءه وافقاً سديمياً يستجمع ملذاتها وانتكاساتها..
بدءا من حالة تفكير تأملي في المأمول والمنظور المجاور في الافق الانساني العام.. وارتداداً الى رمزية الاشياء.. التي تستدعيها..
* هذه الكتابة .. الفارة من أطر التجنيس والمدونة بعفوية مقننة.. وبحس ابداعي.. يتسامى بمويتها .. ليجعل منها ميلادا لكتابة حرة..
(ميلاد بين قوسين) هيلدا إسماعيل / الطبعة الاولى 2002م / دار الفرات للنشر والتوزيع بيروت
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|