قصة قصيرة عبث الانتظار نورة عبدالعزيز العقيل
|
جلست في قاعة المحاضرات مثقلة بالتفكير والشرود والخوف يجتاحها من كل مكان.. وكلما مر شخص هنا أو هناك.. يقفز قلبها.. آه.. لقد قرب الموعد.. بين يديها يقبع كتاب متعدد الأوراق.. تقلبه بين الفينة والأخرى..
وأخذت يدها تلاعب الأوراق.. ويرتفع معدل خوفها كلما مرت الدقائق، وكأنها في ميدان سباق.. تمر الثواني والدقائق بسرعة البرق.. وترتفع يدها مع كل حركة تصدر في جنبات تلك القاعة.. أخذت تحدث نفسها.. بعبارات تقطر خوفا وقلقا.. آه بعد قليل تكون المواجهة.. إن الخوف يجتاح جميع أوصالي.. يعبث بي.. ماذا حدث لي.. آه حتى يداي ترتعشان من شدة الخوف.. وبينما هي تغط في الشرود.. وتبحر في سفينة التفكير.. تدخل عليها إحدى المشرفات وتقترب منها وتهمس لها.. بعد دقائق يحين موعد المناقشة.. رفعت رأسها وبدأت تتسارع نبضات قلبها بارتقاب.. ثم قالت: نعم.. نعم أعرف ذلك.. وعاودت الإبحار في عالم التوجس والانتظار، ثم تساءلت كيف تكون الأسئلة.. هل هي مباشرة أم لا.. هل هي صعبة أم لا.. هل هي في صلب الموضوع أم من واقع الحياة الذي يعج بالمواقف العديدة والذي له صلة بموضوع رسالتي.. ويا ترى هل أسلوب الأسئلة سلس.. ومفهوم أم يأخذ بالالتواء والتلميح.. آه.. ماذا تراني أواجه.. رباه لطفك وعونك.. فما معين لي سواك.. أعني فإني على مشارف التحول من نقطة إلى أخرى.. وكأني سأخوض معركة.. هل يتحقق لي النجاح.. آه.. متى تمر الساعات التي أزج فيها في محكمة لا أعرف ما قراراتها.. ووقع نظرها إلى وريقاتها.. آه.. وهذه الكلمات التي تملأ أوراقي.. يا ترى هل تجد القبول والرضا.. أم تواجه عاصفة الأسئلة والمناقشة الحادة التي تمزق حروفها.. وتعتقل معانيها.. يا رب عونك.. وأخذت يداها ترتعشان مجددا وشفتاها تتمتمان بالدعاء.. وطلب المعونة وعاودت التساؤل.
يا ترى هل أخرج من هذا المكان والابتسامة تنير وجهي أم الخوف والفشل يغزو قلبي.. آه ما أشد خوفي وقلقي وتأوهت من عاصفة القلق المزمجر في داخلها.. وشعرت بوطأة الدقائق المخيفة أثناء شرودها والخوف يعبث بها والأفكار تخوض في أمواج مفكرتها وتنكسر على شاطئ قلبها الذي يحمل في طياته تعب وسهر الليالي.. وألم الانتظار والخوف القاتل.. وبعد لحظات يتسرب إلى سمعها طرق خفيف على الباب.. استدارت.. وإذا بالأستاذة ومساعدتيها.. وبعض من أوراق في حوزتهن يقبلن إلى المكان المعد لمناقشتها.. ومن غير منها.. أخذت تجر ساقيها بتثاقل وكأنها تحمل أثقالا سحبت نفسها وحملت بين يديها اللتين تأبيان السكون من عبث الارتعاش أوراقا.. مضت إلى حيث جلسن.. وألقت بالسلام وبعد لحظات.. بدأ العد التنازلي وبدأت الدقائق تمر ثقيلة فأعلنت الحرب وسلت السيوف ورأت بريقها يلمع في أيديهما.. وصهيل الأسئلة تتسابق إليها.. دنت إحداهن منها.. فارتعدت فرائصها.. وسقط قلبها إلى قدميها.. فبادرتها إحداهن بالسؤال عن موضوع رسالتها.. ومن ثم هرولت الأسئلة مسرعة تجادلها في لب الموضوع ثم أخذت الأخرى نصيبها في المعركة.. وحمي الوطيس.. هذه النقطة لم تشبعها من البحث والتقصي.. وهنا نجد شروداً من لب الموضوع.. وهناك نلاحظ وجود بعض العبارات التي تتطلب المزيد من المراجع.. وهنا.. و.. ومازال سيل الأسئلة يتقاذف عليها من هنا وهناك بدون رحمة.. وبين أيدهما تقبع كلماتها المنمقة بحروف جميلة وألفاظ تتحدى الفشل.. فتفجر أسئلتهن على قارعة إجاباتها أحلاماً مبعثرة في أعماقها.. وأخيرا.. سكنت العاصفة الهوجاء من الأسئلة المميتة.. وبدأت تهدأ وترى ضياء شاطئ الأمان.. لترسو على عبارات الاستحسان.. فأخذت تغزو أذنيها ويطرق سمعها عبارات الثناء والتعبير عما بذلته من جهد خلال ثلاث سنوات مضت من بحث ودراسة.. فشعرت أن عاصفة الخوف ابتعدت عنها.. وللحظات قلائل.. استمتعت بهديل الثناء والتقدير.. فتلاشى الإرهاق والقلق.. في زمن الانتظار.. وأصبح بعيدا في أدغال الذكرى.. فطربت نفسها.. وأخيرا أزف موعد الإعلان عن النتيجة المنتظرة.. ولكن.. ألحقها اعتذار بارد وسقيم من قبل إحداهما بتأجيل موعد الإفصاح سويعات أخر لتفتك بما بقي من أملي وتتركه أشلاء.. وتقتلني أمواج التوجس والخيفة.. آه.. عبء الانتظار جاثم بثقله على كاهلي.. لا أستطيع التحمل ولكن، ما لي حيلة إلا رجائي بعون ربي.. أن يمطر علي بمنه وفضله صبرا أتجلد به وأشد المئزر لأمتطي صهوة العزيمة.. فأصارع ساعات الانتظار القاتلة.. وفي الغد تستيقظ وترفع رأسها وتتمتم بالدعاء ثم تنهض وتمتمد يداها باستحياء لتزيل الستار لتعطي المجال لأشعة الشمس بالتسلل عبر نافذتها.. وتتطلع إليها والأمل بدأ يزهر في قلبها مجدا مع إشراق اليوم الجديد.. لتضيء شمس فرحها وتنبلج الحقيقة من وراء الغيوم.. وبعد مضي بعضاً من الوقت.. كانت النتيجة التي أنارت وجهها فتبسم ثغرها كما يتبسم الصباح.. بعد ليل طويل فأخذ الفرح يقطر من عينيها.. واستقبلها الأمل واحتضنها وتمتت بالحمد والثناء لله.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|