الشاعر أحمد السالم في ديوانه الجديد: (قبلات على الرمل والحجر) قصائد في حب ديارنا
|
مطالعات -عبدالحفيظ الشمري:
للشاعر الدكتور أحمد بن عبدالله السالم رؤية شعرية تنزع نحو البناء الشعري التقليدي الذي عهد عند الكثير من التجارب الشعرية التي تخلص للشعر العربي الأصيل. حيث تراوح تجربة (السالم) بين هذه الفضاءات الشعرية المترامية في وجدانياتها، ووطنياتها، فلم يعد للتجربة الجديدة أي ملمح سوى تلك القضايا التي تتوشح رداء الجدة والعصرية.
قصائد ديوان (قبلات على الرمل والحجر) تضوع حباً، ووفاء للأرض التي يعشقها الشاعر منذ نعومة أيامه الأولى حيث ظلت الصحراء في وجدانه.. وعلقت الجبال في ذاكرته.. لتتعالق في هذا السياق الشعري صور عديدة عن حب الوطن الذي تبرز فيه صور الرمل والحجر كمتلازمات وجدانية تربطه بالشعر، وتأسره إلى حب صادق يبوح به حينما تهاجمه لحظات الشعر الفاتنة.
قصيدة (حب الديار) فاتحة الديوان، وفاصلة بوحه الأولى تظهر ولع الشاعر الدكتور السالم بوطنه ليقول في مطلعها:
شوق سرى بين الضلوع وتاها
رفقا بها يا حب من أهواها
فتانة ملكت فؤادي وارتمت
فيه بكامل حسنها وبهاها
ما زاد في شجني ودله خاطري
وأبان ضعف إرادتي إلاها
(الديوان ص 17)
فالشاعر هنا يختار لديوانه فاتحة جديدة تحمل خصوصية البوح الوجداني تجاه الوطن الذي يسكن في أعماقه، فيما تأتي القصائد التالية محافظة على هذا السياق النبيل.
ويغلب على قصائد الشاعر السالم هذا المنحى العاطفي تجاه قضايا الأمة حيث شغل في هذا الديوان بنظم هذه القصائد التي تحمل دلالات التواصل مع الموقف الإنساني في بعض تلك المناسبات التي انتقاها بشكل واضح.
قبلات الشاعر في ديوانه على الرمل ممثلاً بصحارى الوطن الشاسعة.. تلك التي تصنع الرجال الأفذاذ، هؤلاء الذين تشغلهم هموم الأمة، ويزدادون تألقاً وعمقاً وأصالة، وقُبَلُهُ الأخرى على الحجر في بعدين: واحد للحجر الممثل في جبال الوطن، وأخرى في البعد الوجداني للبيت العتيق حينما تقبل وبإيمان الحجر الأسود الشريف فهي قبلات تذهب إلى أمداء بعيدة في خارطة الحب للوطن شماله وجنوبه، غربه وشرقه.. قبلات شاعر يحن إلى أماكن بكر في الذاكرة.. تلك التي عاش فيها طفولته ويفاعته فأخذ يحن إلى الوطن (دومة الجندل) محملاً بعبق الود لمراتع الصبى على هذا النحو:
(فالحق) (دومة) في المدائن قِبْلة
قد طاب منظرها وطاب المخبر
ناديت: دومة بلدة أثرية
قصر الأكيدر شاهد فتدبروا
يا دومة دمتِ بأكمل نعمة
والخير في جنبات أرضك يكثرُ
(الديوان ص 43)
ولم تقتصر وجدانيات الشاعر السالم عند مدينته الوادعة (دومة الجندل) إنما أفصح عن مودة مخبئة للمدن الجميلة في وجدانه، فسكاكا، والرياض، ومكة والمدينة مواطن جميلة في مخيلة الشاعر، إلا أن (الجوف) أخذت الخير الأكبر من مساحة هذه القصائد التي ترنمت بما لدى أهل المنطقة من إرث جمالي يحق للشاعر أن يفاخر به.. في وقت بات من الواضح أنه عمد إلى أن يجعل الديوان ذا خصوصية واضحة تتمثل في اختيار (السالم) وانتقائه القصائد المرتبطة في مواقف مشرفة ومشرقة.
ظل الشاهد فيها هو (حب الوطن) والتغني بأمجاده، وذكر مواطن قوته. وعلى رغم أن الديوان خصص لهذا الغرض يلمح القارئ رغبة الشاعر في تدوين العديد من المواقف الإنسانية التي نشترك فيها جميعاً كتذكيره بقضية العرب والمسلمين الأولى المتمثلة في (القدس) الذي لا يزال مستباحاً من قبل أعداء الأمة والدين. فالقصائد يتقاطع فيها الهم الخاص مع الهم العام حيث يعرض الشاعر (السالم) العديد من الرؤى الإنسانية التي يعتمد فيها على صياغة الشعر العربي على نمطه المعهود، حيث ظل الوزن وظلت القافية متوائمة البناء من أجل تحقيق الغرض المعبر في مثل هذه المواقف.
ديوان الشاعر السالم يقع في (128 صفحة) من القطع المتوسط سبق بمقدمة أو تمهيد من قبله حيث تحدث عن حالة الشعر التي سادت في هذا الديوان، وترجمة هذه المواقف الإنسانية التي سجلها حيث خرجت إلى القارئ هذه الإضمامة الشعرية المتراسلة في طرحها، حيث تحددت رؤية الشاعر في بناء خطاب معبر يذكرنا وعلى نحو جميل بأن الوطن هو هاجسنا الذي لا يمكن لنا أن نستبدله.. أو نتوه عنه.. أو نضع له بدائل.. فهو الخالد ما بقي (الرمل) و(الحجر) أو ما بقيت الصحراء بنقائها، والجبال بشموخها، ولنقرأ ديوان (السالم) حينما نريد أن نتلمس حب الوطن شعراً وبهاء.
***
إشارة:
* قبلات على الرمل والحجر (ديوان شعر)
* د. أحمد بن عبدالله السالم
* هبة النيل - القاهرة - 2005م
* يقع الديوان في (128 صفحة) من القطع المتوسط
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|