(العاشقان)..رواية حب تفيض ارتواء العاطفة 2-2 عبد الحفيظ الشمري
|
رواية (العاشقان) للأديب الكاتب عبد الله جفري في شقها الأخير كرست مفهوم نبل الرومانسية، لكن هذه العناصر الإنسانية لم تعد مجدية حتى لو سعى كل رجل لأن يقلب وجه العالم من أجل امرأة في وقت تظل فيه المرأة قادرة على تجاوز الحدود وقلب الموازين بإشارة واحدة.
ففي البحر أو على ضفافه يسجل بطل الرواية (علاء) موقفه من المرأة التي يشعر أنها عبثت بحياته رغم أنها تظل في الوجدان رائعة ومشرقة.. وجه (عالية) هو ما يستطيع أن يسترده هذا العاشق المتعب من السهر والرحيل خلف ألق مراوغ يسكن أبعد نقطة للوجدان.. هو الحب.. ذلك الشعور الذي سيطر على مجريات سرد حكاية عاشق عربي لا يأتي إلا ليعاني من ألم وشكوى؛ شأنه شأن أي شعور وجداني يكتنفه الغموض وتسيطر عليه أسطورة العربي الهائم.
رواية (العاشقان) صورة حديثة لعاطفة الإنسان الذي ازداد اغتراباً.. بل أصبح على نحو ما يردده (علاء).
( ياخوف فؤادي من غد).. ذلك أن زلزال الأعماق في الآتي أو المستقبل هو الهاجس الرهيب الذي يضاعف حجم المعاناة، ليجعلها أكثر تبريراً لمشهد الأحداث التي تأتي محملة على هاجس واحد يتمثل في لغة صراع المشاعر بين الرجل والمرأة في زمن أصبح الناس فيه لا يأبهون بهذه المشاعر.. بل يصفونها بالرومانسية الآفلة منذ غزتنا حياة المادة.
عبد الله جفري يقاوم تيار الواقع المادي بمجالدة واضحة، لنراه وقد بنى في صحراء هذا التيه العصري مملكة مترامية للمشاعر، فيما غيب كل المثبطات، وحجم جميع المعوقات، وأظهر (الحب) رغم هزيمته منتصراً لكنه سيظل عالقاً بين أنقاض الذات الإنسانية التي تبحث عن بشارة حياة لا يصل إليها اليأس، أو يغشها القنوط في محاولة منه أن يصنع للحب أيقونة تحميه من غدر الزمان.
المرأة ورغم جموحها في هذه المشاهد التي يبثها الكاتب على لسان (عالية) وعبر مشاعرها تظل بحاجة إلى مثل هذه الرسائل التي تتوافد بين حين وآخر، لأنها تشعر أن رجلاً كعلاء لابد أن يقدم شهادة حقيقية يدين فيها الزمن الذي أصبح متنصلاً من أدنى واجباته.. بل نراه وقد أصبح ينظر للعاطفة الرائعة وكأنها ضرب من خيال.. أو كما يقول (حامد) صديق (علاء) بأن المشاعر مجرد رومانسيات لا وجود لها الآن في الواقع.
يعتمد الكاتب عبد الله جفري على صياغة هذا النهج الاستشرافي لحالة الوجدان الحقيقي للإنسان معتمداً على أبعاد نفسية يدير فيها شحنة النص حيث تصبح الرؤية مكتظة في رسم هذه التفاصيل الدقيقة عن الحياة.. بل نراه وقد صاغ من عشرات الرسائل التي قد لا يلتفت إليها رؤية تدين الواقع وتكشف زيف المطالبين بإلغاء العاطفة من القاموس.
ظلت الرواية محملة - كما أسلفنا - على حدث واحد هو جوهر العلاقة بين (علاء) و(عالية).. ذلك التنافس الوجداني المتأجج بين رجل يقاوم سطوة التغريب والتغيير والماديات وبين امرأة تراوح بين العقل والعاطفة لحظة أن رأت في الرجل (علاء) مادة وجدانية تحتاج إلى رعاية واهتمام لا سيما حينما شعرت بالوحدة وغزا بياض المشيب شعر رأسها، ليصبح الرجل منقاداً نحو المرأة بما يحمله من وجدان صادق رغم ان نواهي المادة وزواجر الواقع تشير إلى أنه ارتكب حماقة الارتماء على المرأة رغم صدها له.
ومع هذا التدافع الوجداني لدى البطل في رواية (العاشقان) أضحى الأمر مجرد صوت وادع ورائع كالمطر الذي لا يتغير رغم كل الظروف.. صوت الحب، ورنين العاطفة السادر في جماليات الولع بالآخر الذي يرى أنه متمم له مهما كانت الظروف.
في (العاشقان) نكتشف قضية واحدة هي أن الحب يحتاج إلى تضحيات.. هكذا علمنا تاريخ الحب، وشرحت لنا لغة العاطفة من خلال هذا السرد.. بل إن عبد الله جفري تزيد على هذا وذاك بأن أحيا في رميم الرسائل ذلك البعد الإنساني حينما جعلها هي المادة الأساسية لهذه الرواية.
نهاية العلاقة التي صورها الكاتب كانت مفترضة فعلاً، وهي مزيج من اللعبة النفسية بين شخصين كل يريد أن يدخل الآخر في عوالمه الخاصة به.. وحدها تجارب (عالية) هي التي صنعت الواقع الذي تسير عليه الأمور، فكم من امرأة أوقعتها العاطفة في براثن الواقع الذي أخذت تسوم من يقابلها سوء المعاملة على نحو شطحات سيدة الرواية حينما لم تجد وقتاً لهذا العرف الاجتماعي المتمثل في الزواج، حيث طلب (علاء) يدها دون أن يكون لديها الاستعداد الكافي لتلمس أبعاد هذا القرار على رجل يعشق المرأة بجنون العاطفة حتى أصبحت التجربة مزيجاً بين واقع لا يعبأ بالعاطفة، وبين أحلام وهلوسات لا تركن إلى الممكن بأي حال.
لغة السرد في رواية (العاشقان) منخفضة جداً، في قت تبرز فيه لغة العاطفة، وتداعيات الوجدان الإنساني الذي طغى على فضاءات السرد وحدها لغة المكان هي المتيقظة في الذاكرة السردية حيث جاء المكان في تشكل ثلاثي: (جدة، القاهرة، باريس) فيما دخلت عواصم أخرى كمدريد، ولندن على خط الأحداث في الرواية فظل المكان غير مؤثر بقدر ما يلامس الإطار العام الذي يستمد منه الكاتب يقين البحث عن خطاب سردي يزاوج بين فرضية المكان النموذج وبين المكان لمجرد المكان، حيث برع في اقتفاء هذه الحساسية المفرطة في بناء علاقة بين الحرية ممثلة باريس، ورمز المكان في البلاد التي تقيد كل شيء باسم المحافظة على التقاليد.
الزمان في رواية (العاشقان) واسع ومترام يسلط (الجفري) من خلاله الأضواء على زمن التحول بين عناصر الفعل السردي من خلال رغبته وانجذابه نحو زمن البراءات الأولى حيث حمل على كاهله مهمة البحث عن شريك صادق لعله يبثه ألم الشوق الفائز.. زمن ظل فيه (علاء) مواظباً على رسم الزمان الوردي للأحلام الممكنة والمستحيلة في وقت داومت (عالية) على إذكار رغبة الجموح في تنويعات المكان فكانت هذه المفارقة العجيبة بين الرجل والمرأة.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|