أعر اف حيث تموت الحوافُّ.. وتدفنُ البدايةُ رأسَها في رملِ النهاية!! «2» محمد جبر الحربي
|
بطعم الموتى
(أنهت الحكمة دورة كاملة، لم يلتفت أحدٌ إلى أن هذا الوقار الذي لبسته الضواحي هو عشبٌ مفاجئ نبت على المنحدرات حيث يرقد الموتى، وعلفته الماشية، قبل أن نجرعه أبيض ذا رغوة!!)
بهذا الشكل العميق والفاتن يمكن أن نفهم الخلفية التي تسند قصص سهام العبودي، والأرضية الصلبة التي تسير عليها، فإذا ما أضفنا إلى ذلك قصة (خيط ضوء يستدق) التي نشرناها في الزاوية الماضية، وهذه اللافتة: (حين احتفل الناس بطيِّ حقبة الحفْي في البلدة، كان صانع الأحذية الذي ألبسهم يرفع رأسه للمرَّة الأولى، لحظة رأى الناس أنفه الضخم المليء بالدمامل خرجوا من الباب، ونسوا أحذيتهم.. وقد أسمتها حفاة، أمكننا أن نتعرف ولو من زاوية ضيقة على قاصة تتعب كثيراً على قصصها.. فهي تتعب على الفكرة، ثم، وكما يبدو من الكتابة المحبوكة حبكا متقناً كما سفر الجريد التي طرزتها بمهارة يدا جدتها الماهرتين، تنقش لغة ساحرة محكمة، بجمل قد نحتت نحتاً، مفصلة تفصيلاً متقناً لتفي بالغرض الذي استخدمت له.
إنها بالفعل براعة القص كما أعرفه، أو كما أحبه، قصص قصيرة تملأ مكانها ومسماها.. ولكنها قصص لا تأتي من الفراغ، وليست وليدة بهرجة لغوية، أو لعب لغوي يتكئ على التغريب، أو الجنس، أو المفردات الممجوجة التي أصبحت وسيلة استجداء لدى كتاب وكاتبات القصة اليوم. على العكس تماماً إنها قصصُ قراءاتٍ وخبرة وقدرة على الرصد.
قصصُ أفكار لا تهويمات، وقصص مواقف ورغبات تغييرية موجبة لا قصص فراغ وخواء.
منذ البداية يتضح لنا وبشعور عميق بالسعادة أن سهام قاصة جادة في عملها، دقيقة في تفاصيلها، قوية في رسم خطوطها، مهتمة جداً بلغتها، تعرف أين تبدأ وكيف تنتهي، حريصة حرصاً كبيراً على أن لا تطغى أفكارها، أو مواقفها على القيمة الفتية للقصة.. لكأنها عرفت المعادلة الصحيحة، وجدت الحل للمعادلة الصعبة، فقدمت لنا مجموعة قصصية جديرة بأن تتصدر عطاءاتنا القصصية التي أفلح عدد كبير من كتابها من الجنسين من إبعادنا عنها، ومن جعلنا نصفق كفاً بكف كلما شاهدنا الحضيض الذي أوصلوا القصة إليه.
وقد تمكنوا بجهودهم غير المشكورة والتي لا تكل من إفساد الذوق العام، ونجحوا في إعطاء انطباع سيئ عن الكتابة بشكل عام، وفي التغطية على النتاج المميز لكتاب القصة الذين يكتبون القصة بالفعل عندما أصبحوا المشرع الوحيد لشكل الكتابة في كثير من نوافذ الإبداع. وفي خداع أجيال من كتاب القصة الجدد، وهذا الأمر ينطبق على القصيدة أيضا للأسف الشديد.
من هنا تأتي أهمية هذه المجموعة، فهي ليست فقط قيمة إبداعية تضاف للرصيد القصصي الكبير لدينا، ولكنها تأتي في وقت نحن في حاجة لمثلها بالفعل، فقد أتعبنا فيه القص المسخ الخالي من أية قيمة إلا قيم الفوضى والإيحاءات الجنسية بل التصريحات الجنسية البلهاء التي يمكننا أن نلاحظ أنها معتسفة لكي يقال غداً: إنها كاتبة أو كاتب متجاوز وحديث.
قصص بلا موقف.. حتى وإن كان لا موقف!!
قصص بلا حياء، بلا لغة، وبلا فن. مجرد تهويمات، وتراكيب اعتقدوا خطأ بأنها قمة الإدهاش، أو غاية التجريب.
ولكن لِمَ أُفسدُ لحظات الجمال هذه؟! دعونا نعود إلى النبع القصصي لسهام العبودي، وأعتقد أنكم سترْوون عطشكم الإبداعي، بفن راقٍ ورائع. النبع عشرون قصة، كل قصة نجمة في فضاء سهام الإبداعي، ولها، للفن الذي احترمتْه أقف احتراماً. فهنا لا تموت الحواف، ولا تدفن البداية رأسها في رمل النهاية.. بل تنمو البداية كالشجر المثمر الحر.
mjharbi@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|