مفكرة فتوحات ثقافية ماجد الحجيلان
|
كل شيء قابل للتوقف والارتباك والاحتباس والتراجع والتأمل والحيرة، خلا الزمن؛ إنه يسير ولا يلتفت للوراء أبدا في أي ساعة، وعلى الحاسبات أن تعمل لتلهث وراءه.
تكتب هذه السطور في عام فلا يتوقف الزمن حتى تنشر بل يدخل عام جديد قبل نشرها، هذا الزمن بطواحينه ومتاريسه المسننة يحول الأوادم إلى آلات لاهثة لا تلتقط أنفاسها لأنها لا تجد ما أسماه كونستانتان جورجيو الساعة الخامسة والعشرين في روايته التي يسيطر فيها المخترع على البشري، ولكن هل من حق البشر أن يجدوا يوما ثامنا أو ساعة إضافية؟ وما الذي يفعلونه بكل هذا الوقت حتى يطالبوا بوقت إضافي يبتلعون فيه ريقهم.؟ وهل هذا هو ما فطن إليه العرب الأقدمون من معنى مخبوء في الزمن حينما دعوا المعاقين جسديا؛ زمنى وواحدهم زَمِن(بفتح ثم كسر)؟ أهو الزمن يطول على الإنسان فيكبله ويعيق جسده عن الانعتاق والتحرر؟
طيب، ماذا أحدث هؤلاء العرب الزمْنَى في العام الذي ينصرم هذا اليوم؟ هذا ما تجيب عنه الصحف خلال الأسبوع الأخير من كل عام، وكان حريا بها ألا تعيد التذكير كل مرة بخيباتها وخيبات قرائها بل أن تتذكر ما نسيته وما لم توثقه، يجب أن تكون الاستفتاءات والرصد موجزة فيما يتعلق بالأشياء التي علكتها الألسن والمطابع خلال اثني عشر شهرا وأن توجز في روزنامة صغيرة، وأن تتاح بقية الصفحات لمن صمتوا ومن غابوا والأحداث التي وقعت ولم يلتفت إليها.
هناك في العراق إنجاز نسائي باهر لم تلتفت له الصحف، وهو يسجل ضمن الجهود التي يقوم بها المجاهد الزرقاوي في المدارس ونقاط الشرطة ومراكز الانتخابات لحماية العراقيين من كبيرة حكم أنفسهم، ولإنعاش الاقتصاد العراقي بالاستيراد والتصدير، حيث صدّر العراق لأول مرة انتحارية كانت تبيع الخضار إلى الأردن، بينما استقبل انتحارية مستوردة كانت تبيع الخبز في بلجيكا، وهكذا فالرابط بين الانتحاريتين فاضح، الخضار والخبز، وهو ما فشلت المخابرات الأردنية والشرطة العراقية في تعقبه، فيما تجاهلت الصحف أيضا أن المثقفين العراقيين بعد الديموقراطية المجوقلة التي أرسلها بوش، وبعد سنوات التجويع والحصار والحرمان من كتاب أو مكتبة أو نشاط ثقافي؛ ما زالوا يعانون للحصول على كتاب، فباعوا ثيابهم ووفروا من لقمة أولادهم ليقرأوا، ولا تتطوع الجامعة العربية بعد كل هذا النجاح الباهر في الفشل السياسي؛ أن تنجز عملا ثقافيا يعيد للثقافة في بلد الرافدين مكانتها، وينعش المكتبات والثقافة العربية برافد لم يكن ينضب من العقول والمواهب العراقية الفذة، وهو ما أدى إلى أن يقتصر الجديد الثقافي العراقي على ما يشاهد في الفضائيات الغنائية الإماراتية.
في لبنان استفتح العام بتفجير قرب السان جورج جعل السجالات السياسية والجاسوسية المخابراتية التي دارت في حانته سنوات الخمسينيات والستينيات تعود من جديد بشكل أكثر غموضا، ولكن هذه المرة على ضفاف الفضاء وعبر المنابر الإعلامية اللبنانية، خرج جعجع من قمقم وزارة الدفاع اللبنانية وعاد عون ليكون فرعون لبنان وربه الأعلى، وتشكل من المغدورين رفيق وسمير وحاوي وجبران تيار سياسي (وصل) إلى الآخرة قبل غيره من السياسيين والمفكرين اللبنانيين الذين ينتظرون التحقيق، علق الجميع آمالهم على بطل جديد هو ميليس الذي لم يرد أن يصبح بطلا ولا مناضلا عربيا وفضل الذهاب إلى بيته. أما في مصر وبعيدا عن اشتعال المسرح المصري في بني سويف ورحيل المسرحي ألفريد فرج المعبر بشكل مأساوي عن فشل المسرح الجاد وأحلام اليسار ويوتوبياه؛ هناك الصعود غير المسبوق للإخوان المسلمين الذي كان مقروءا لفترة غير قصيرة عبر الحجاب السياسي في الشارع المصري، وانتشار المصطلحات الدينية الإخوانية في الثقافة والسياسة والاقتصاد، والإخوان يختتمون هذا العام ببادرة ثقافية يغازلون فيها توجس مثقفي مصر بزيارة لنجيب محفوظ في (فرح بوت) ويقدم له عبدالمنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد قلما فاخرا تعبيرا عن الفرح بعودة يده للكتابة بعدما أراد لها (الظلاميون) أن تسكت.. وتبرأ أبو الفتوح أمام جمع من مثقفي مصر حسب رواية جمال الغيطاني في (أخبار الأدب) من فكر سيد قطب بعد (54) وبعد السجن والتعذيب حيث دخل -قطب- في حالة مرضية لا يؤاخذه فيها الأطباء (وأنا منهم) يقول أبو الفتوح، وكل مؤلفاته بعد ذلك لا نتفق معه فيها إذ كتب أو عدل (في ظلال القرآن) مرة أخرى وهو في حال خصومة مع الدنيا كلها.
مثقفو إيران يبحثون عن قشة يتعلقون بها بعد رحيل خاتمي وقدوم بديله ذي التصريحات الميتافيزيقية، ويطالبون أدونيس، الذي يزور إيران كما زار سورية قبلها بدعوة فرنسية وتكريم فرانكفوني (!)؛ بألا تستغل حكومة نجاد استضافته تلفزيونيا للدعاية لبرنامجها القروسطي.. ماذا أيضا؟ هناك عربيا المزيد من الروايات والمزيد من باولو كويلو ودان براون.. لا مكتبة إسكندرية جديدة ولا جائزة نوبل أخرى ولا صرح ثقافيا حديثا، وإنما حديث عن إصلاحات وانتخابات واغتيالات وتفجيرات.. وكل جمع مؤنث سالم انتقل من ذوات النهود والقدود إلى ذوات الأحزمة الناسفة عابرات الحدود.. أما في السعودية فهناك فتوحات ثقافية مهمة، وبعيدا عن الحوار الوطني وجدل الروائيين والروائيات الجدد الذين يكتبون رواية واحدة ثم يصدرهم النقاد السعوديون لملتقى الرواية العربية مع صنع الله وأمين معلوف؛ يتولى بعض الوعاظ كبر تصنيف الناس إلى زنادقة ومؤمنين، ليكفوا بذلك (الأمة) مؤونة التفكير في الحكم الشرعي في هذا الشاعر وتلك الرواية؛ وأصدرت دار نشر رسالة (علمية شرعية) محكمة من لجنة كبرى، تقوم بإيضاح ضلالات وكفريات الشعراء والروائيين والمفكرين العرب بدءا من رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني مرورا بميخائيل نعيمة وطه حسين وانتهاء بالسياب ومحمود درويش وصلاح فضل، وقيمت الأجزاء الثلاثة إيمان كل من: محمد أركون، محمد بنيس، جابر عصفور، حسن حنفي، صلاح عبد الصبور، أمل دنقل، أدونيس، محمد علي شمس الدين، إبراهيم نصرالله، عبده وازن، شوقي بزيع، أحمد دحبور، سميح القاسم، محمد جمال باروت، غادة السمان، نوال السعداوي، حنان الشيخ، محمد الفيتوري، عبدالوهاب البياتي، نزار قباني، سعدي يوسف، عقل العويط، عبد الرحمن منيف، حسين مروة، كاتب ياسين، الطيب تيزيني، قاسم أمين، رياض نجيب الريس، عادل ظاهر، أنسي الحاج، يوسف الخال، توفيق صايغ، نازك الملائكة، هشام شرابي، معين بسيسو، توفيق زياد، عبدالعزيز المقالح، نصر حامد أبو زيد، فاضل العزاوي، هاشم صالح، هشام شرابي، محمود المسعودي، جبران خليل جبران، أمين الريحاني، غسان كنفاني، عبدالله البردوني، أسيمة درويش، مظفر النواب، اميل حبيبي، سعيد عقل، علي عبد الرازق، حسين أحمد أمين، يوسف إدريس، نجيب محفوظ، لويس عوض، إداور الخراط، جمال الغيطاني، أحمد بهاء الدين، الطاهر وطار، الطاهر بن جلون، الطيب صالح، عبدالكبير الخطيبي، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، سعيد السريحي، سعد الدوسري، محمد العلي، عبده وازن، غالب هلسا، لطيفة الزيات، محمود أمين العالم، عبد العظيم أنيس، رجاء النقاش، عبدالمنعم تليمة، حنا مينه، عبد الرحمن الخميسي، عبدالرحمن الشرقاوي، غالي شكري، فيصل دراج، غالب هلسا، منيف الرزاز... كل هؤلاء ضالون مضلون.. طبعا.. وداعا.
hujailan@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|