ماذا على الشعر إن أغفى وإن ذهبا |
ما دام ينصح بالآلام مختضبا؟ |
ماذا عليه وقد جفت منابعه |
وبات باليأس والإمحال ملتهبا؟ |
أللهوى أم الساري الطيف نضرمه |
أم لليالي التي راشت لنا النوبا؟ |
كلا وما سر كلا في متاهتنا |
إلا الفناء أراد الحب أم غضبا |
يا باعث الجرح من أعماق رقدته |
هلا رسمت على أسراره النصبا؟ |
وقمت تطوي على جثمانه كفنا |
من بعده ينفض الآلام والتعبا |
ما ضر لو سار خلف النعش موكبنا |
وحالم الأنس فينا قام منتحبا؟ |
فما لتابوتنا المسلول من صلف |
إلا وفي قائميه السوس قد لعبا |
فاستبق ما في خيال الدهر من طُرف |
مطلولة واحمل الكبريت والحطبا |
وامدد الى بسمة التاريخ كل يد |
وانس الهوى في ركام الطين حيث خبا |
ما للصبا وهو غض رافة نغم |
حلو وفي مقلتيه الحبُّ قد نضبا |
يطوي على الفقر والإملاق شرعته |
ويزرع اليأس في الآفاق مغتربا |
كأنه خطت الأوهام سيرته |
يستبطن الحزن والإفلاس والسغبا |
ما سام في الليالي السود سائمة |
إلا تشرب من أخلافها النصبا |
وما اسدر لخطب ضرعها نكدا |
إلا ودرّت له الإعدام والحربا |
يا ويل اوغذت لليأس فلذتها |
فبات بالويل والتشريد منتقبا |
يطوي على الذل أشلاء ممزقة |
ويخنق الذكر في إدلاجه رهبا |
فامدد اليه يد الإلهام في أمم |
واردد عليه من الآمال ما سلبا |
كذلك النجم للساري يلوح هدى |
وأنت نجم لسارِ بات مكتئبا |
فما العزاء لركب أنت ملهمه |
إذا استكان لعسف الدهر أو حُجبا؟ |
يا موغلا في ظلام الأمس تمسحه |
بأفقك الرحب منسوبا ومنتسبا |
هلا انطلقت بذكراك التي عبرت |
الى المجاهل تبني مهدها الخربا؟ |
ما بين رس من الآمال ترقبه |
وحالق من غرار العز قد صلبا |
أفديك بالنفس لا ترجع بذاكرة |
فالذكريات تثير الشك والريبا |
إني على العهد لم أبخل بقافية |
مهما انطوى السفر للألاف او قلبا |
فموكب المجد ما زلنا نسايره |
ورُبّ يوم يقيم الصرح منتصبا |
نجني به من جنى الآمال كل يد |
للمنجدين ونبني فيه ما صعبا |
فما الدعاء لأرض النور مغفرة |
ولا البكاء عليها يفتن الذهبا |
لو كان للشعر في فيحائنا سبب |
تزهو به لابتدرنا ذلك السببا |
أوكان للندب فيها موكب غرد |
لكان منا اليها الندب محتسبا |
فارفق بنا في متاه اللوم إن لنا |
عذراً وأنت الذي تستكشف الحُجبا |
خذ من سنا العز ما يحلو لرائده |
وانس الهوى في غبار الجهل معتصبا |
فموكب النور في أرضي طلائعه |
تستبدل الأمس باليوم الذي قربا |
يوم له في رؤى التاريخ بادرة |
مشبوبة الذكر تحمي الحظ والأربا |
تطالع المجد في إبان ثورته |
وترسم الخلد في إدلاله طربا |
فهذه من سنا برق العلا شعل |
تستهدف الطين والأنقاض والقببا |
وتبعث الفن في تشييد ما رسمت |
أيدي البناة الذين استأصلوا العتبا |
يا موسع الفن والعمران موجدة |
لا تقطع الرأس كي تستنبت الذنبا |
فما ادكار القديم السمج في وطني |
(عنيزة) اليوم إلا عبرة ونبا |
فاستبق في موكب الآثار نادرة |
من غابر الدهر واطلب بعدها الشهبا |
فالنور لا يفقد الديجور في فلك |
يستمرئ الصعب او يستعذب الطلبا |
سيمسح الغيمة السوداء باسطها |
وينشر الفن والإبداع والعجبا |
فما بلادي التي في الغيم سُدتها |
إلا الجديد الذي لا يعرف العطبا |
لها من الموفد الباني ملامسة |
يخضرّ منها فجاج عامر وربى |
تميس في حيلها المياس حالمة |
وتسبق الفجر في آمالها صببا |
لها على صفحة التاريخ واردة |
من الفضائل زانت باسمها الكتبا |
أيام كانت صبا نجد تروقها |
بالمكرمات وكان الحظ قد غلبا |
تعنو إليها من الآفاق كل يد |
للطيبات ويزهو سوقها حسبا |
كأنها للمغاني درة شرقت |
بنورها الأرض زهوا فاتنا وصبا |
لكلّ أفق عليها مورد عطر |
يستقبل الخير والإدرار والنشبا |
فما لبغداد او للشام في وطني |
من صائب الخير إلا بعض ما ندبا |
وما لساحات عمرو وهي عامرة |
بالخير في مصر إلا ما اجتبي وجبا |
فسوقها المورد الصافي لكل ندى |
وساحها من نمير العز قد شربا |
وأهلها المنجدون استلهموا سننا |
للعالمين بحبل الله قد عصبا |
لهم على كل نجم سابح فلك |
في طرتيه رهان المجد قد كتبا |
يبنون في كل بيت عز قاصده |
ويستجيبون للداعي إذا طلبا |
أُسدٌ كما تعشق (الفيحاء) دوحتهم |
وسادة يحكمون العلم والأدبا |
لا الجهل يطمس عن ماضي فضائلهم |
عين الرضى أو يقول الحق ما ذهبا |
فأمسهم بالهدى والفضل معتصم |
ويومهم للغد الزاهي قد انتسبا |
يستلهمون من الماضي عزائمهم |
ويضرمون من المستقبل اللهبا |
لا يعثرون وفي أردانهم شمم |
هامت (عنيزة) فيه عزة وإبا |