ذَكرتُكِ في المساء وفي الصَّباح |
كَذِكرِ الأُمِّ في الحُبِّ الصُّراح |
ولي في تِبْركِ المِعطارِ سرُّ |
كَسِرِّ المُلهَمين إلى الطِّماح |
(عُنَيْزَةُ) والهَوَى بِكرٌ وقَلْبِي |
لَدَيْكِ مُتَيَّمٌ قَبْلَ الرَّواح |
فَكَيْفَ به وقد أَسْرَى بِلَيْلٍ |
وفارَقَ منكِ مزهُوَّ الوِشاح |
عَداكِ إلى صَبَا عَدْن فَهَشَّتْ |
له في النِّيل أسراب المِلاح |
وقَبَّلَ ثَغْرَه فيها شَغوفًا |
أريجيُّ القَرَنْفُل والأقاحي |
فلَمْ تَصْدُق له في الحُبِّ عَينٌ |
ولَمْ تَعْصِفْه بَادِرةُ الجِماح |
تَمَلْمَلَ في مَقامٍ كان فيه |
سَرِيَّ الحُبِّ مَعصومَ الجناح |
وضاق بعرشه الفِضِّيِّ ذَرْعًا |
فلَمْ تُسْبلْ له عَيْنُ انشراح |
كأنّ رَفيفَه أَمْسَى وَجِيبًا |
وحِليتَه استحالت لامتياح |
رآكِ بحُلمه فَذَوَى صَريعًا |
وشامَ عُلاكِ في عَين الصَّباح |
فأقفَلَ راجعًا من غير سَمْعٍ |
ولا بَصَرٍ يُسَايرُ عَتْبَ لاحي |
ذُرَى الفيحاءِ لو أَنصَفتُ حُبِّي |
لكِ استَعذَبتُ أطرافَ الرِّماح |
وأَشرَعتُ الرِّياحَ لِبَثِّ سِرِّي |
وعُذري منكِ تصريفُ الرِّياح |
فلو أودعتُ غير رِضاكِ وَجْدًا |
لَمَا أمهرتُه غيرَ السِّفاح |
ولو مُنِحتْ لِي الدُّنيا مَراحًا |
لَمَا آثرتُ غيرَكِ من مَراح |
فَما في مَورد الخُلْد اعتبارٌ |
وخُلْدُكِ لا يُرَوِّق زَهوَ ساحي |
على نَسَمات عطركِ رَفَّ وَجْدي |
ومن نَفَحات وحيكِ شَفَّ راحي |
فأنتِ المُنتَهَى ولِكُلِّ قلبٍ |
عليكِ نَعِيمُ حُبٍّ وارتياح |
سماؤكِ فضّةٌ ورُباكِ زَهرٌ |
وتِبرُكِ جَنَّةٌ وثَراكِ داحي |
وماؤكِ في تَدفُّقه رَحيقٌ |
يُبَلسِمُ شافيًا غُورَ الجراح |
وروضُكِ حالِمٌ جنُّاتُ عَدْن |
يعانق فيكِ أَحلامَ الصِّباح |
وعَرْفُ حزامكِ الذهبيِّ عَرشٌ |
يُتوِّجه الغضَا بِيدِ السَّماح |
وجالُكِ في مَجال العِزِّ رَحْبٌ |
يُرَوِّق ساحَ مَجْدِكِ بالسِّلاح |
فأنتِ به زُمُرُّدَةٌ تَرَوَّت |
ونامتْ بين أحضان البِطاح |
يُداعبها النَّدَى من كلِّ غيثٍ |
فتَمنح باسمه شَرَفَ الصَّلاح |
وتَرفع كَفَّ سامِرَها قَريرًا |
يُنادي المَجْدَ حيَّ على الفلاح |
رَواها بالهَوَى عنِّي مُرِيمٌ |
يُذيب السِّرَّ من قَبْل افتضاح |
وأعْلَمَها بعزٍّ لَمْ يَصُنه |
لها مَنْ سار في دَرَكِ الوَقاح |
رُبَى الفيحاءِ قد أًعذَرتُ حتَّى |
هَوَى مَتْحي ومدحي واصطلاحي |
فمِثلُك لا يُنال بكلِّ مَدحٍ |
ولو أَسْرَى بِغَيْبٍ وافتتاح |
تسامتْ فيكِ للنُّعمَى سِماتٌ |
أجازتني فجاوزت امتداحي |
وأدْنَتْني إلى مَدَدٍ أبِيٍّ |
يُطَرِّز مَنكِبي بِيّدِ الكفاح |
نَسَبْتِ نَداه والدُّنيا تُغَنِّي |
بمجدٍ لَمْ يكنْ بالمُستباح |
وقَفْتِ على منابره سَلامًا |
وقُمتِ على مَوارده الفِساح |
فأنجَبْتِ العُلاَ أدَبًا وعِلْمًا |
وقُدْتِ العَالَمِينَ إلى النَّجاح |
كَذلكِ أنتِ للهادين ريٌّ |
وللبانين - عِزاً- خَيرُ ساح |
ضَمَمْتِ الدِّينَ والدنيا ابتداراً |
وسُدتِ فكنتِ غالبَةَ الجناح |
ومَنْ تَكُن الحضارةُ أَلْهمَتْه |
من الماضي سَنَا أَلَقٍ مُتاح |
فلِلتّاريخ منه عَبيرُ ذِكْرٍ |
يُعانق كُلَّ يُسْرٍ وانفتاح |