أخرجوه من صمته بالسؤال |
يتدفقْ بمنطقٍ كالزلال |
كان عهدي به هزاراً شجيّاً |
صادحاً في البكور والآصال |
ذكِّروه بما مضى من ليالٍ |
طيّب الله ذكر تلك الليالي |
في زمان كنا نفيض حماساً |
وكأنَّا في عالمٍ من خيال |
حين كنا في معهد العلم نلقي |
ما كتبنا من قصةٍ أو مقال |
أو قصيدٍ يثير في أنفس الناس |
شعور الإعجاب والانفعال |
في مساء الخميس من كلِّ أسبو |
عٍ ترانا كأننا في احتفال |
وترى الناسَ يسرعون إلى المع |
هد بعد الصلاة والابتهال |
وترى الساحة الفسيحة غصّت |
بجموعٍ.. شبيبةٍ ورجال |
كلهم جاء رغبة في استماعٍ |
وانتفاعٍ لا رغبةً في التسالي |
وسميّ الخليل مثل صهيل |
حين يبدو بنوره المتلالي |
فله في الإلقاء قدحٌ معلّى |
بزَّ أقرانَه بدون جدال |
تشرئب الأعماقُ إن قام يلقي |
وتصيخ الأسماعُ دون انشغال |
واحمرار الأكفِّ من شدّة التص |
فيق حين الإلقاء شيءٌ خيالي |
و(صدى المعهد)(1) التي كنت فيها |
ظاهر الجهد وافي المكيال |
كل أعدادها تحلّت بما أع |
ددت من جيّدٍ بعيد المنال |
كم أثرت الإعجاب في أمسياتٍ |
جئت فيها بفائقٍ كاللآلي |
كم أثرت الشجونَ فيما تطرّق |
ت إلى ذكره من الأحوال |
غير أني لم استمع منك ما ير |
ضي غروراً بسيدات الجمال |
ذكّروه بمسرحية بدرٍ |
إذْ يدوِّي بها أذان بلال |
بعد نصر الإسلام فيها على الكف |
ر ومرأى الكفّار في شرِّ حال |
فتراهم صرعى كأعجاز نخلٍ |
وغداً في الجحيم شرّ مآل |
وابن سعدي(2) عليه رحمة ربي |
قد أتانا في هالةٍ من جلال |
باسم الثغر مشرق الوجه يحكي |
طلعةَ البدر في ليالي الكمال |
فاحتفينا به احتفاءً كبيراً |
مثلما يُحتفى برؤيا الهلال(3) |
سرّه ما رأى فأثنى علينا |
أنْ هُدينا لهذه الأعمال |
ولأستاذنا العزيز الذي قا |
م بإخراجها كريم الخصال |
هو عبدالكريم(4) أبقاه ربي |
وجزاه بالخير والإفضال |
بذل الجهدَ مخلصاً ما توانى |
أو شكا من ملالةٍ أو كلال |
واستمر التدريب شهراً فلمّا |
أنْ أجدنا الأدوار دون اختلال |
عُرضت مرتين حتى اطمأنت |
نفس أستاذنا إلى الاكتمال |
فجزاه الإله خيراً لما قدّ |
م من خدمةٍ بكل مجال |
فهو رمز الوفاء والصدق والإخ |
لاص يسعى إلى حميد الخلال |
يا سمي الخليل هلاّ تذكّرت |
أصيلاً بين النخيل الطوال |
عند (روثانة)(5) بها بارك الله |
فناءتْ بطيّب الأحمال |
فتسلّقْتَها بدون أداةٍ |
(ونفذت الثياب بالسروال)(6) |
ثم أنزلتَ ما قطفتَ من التم |
ر ومن طيّبٍ من البسر حالي |
فانطلقنا به إلى البيت سيراً |
وأكلناه دون أم العيال |
وضحكنا لمّا انتهينا وقلنا: |
هل أُصبنا بلوثةٍ من خبال؟! |
ولوَ أنا من شدّة الجوع نشكو |
وأتانا من أطيب الآكال |
ما اشتهيناه مثل شهوة هذا ال |
تمر أنعم به وبالأُكَّال |
يا سمي الخليل عذراً إذا قصّ |
رتُ في منطقي عن الإكمال |
ما على الشيخ حين يكبو ملامٌ |
فاغفروا للشيوخ من أمثالي |
وإذا كان ذلك الشيخ أعمى |
فهو أحرى بالعفو والاحتمال |
يا سمي الخليل والعمر يمضي |
وعلى الله في الأمور اتكالي |
وأنا الآن قد غزا الشيب رأسي |
وبدا الارتعاش في أوصالي |
قد بلغتُ السبعين أو زد قليلاً |
وعليّ الإعداد للارتحال |
وإذا ما غداً حنا الدهر ظهري |
ثمّ أصبحتُ مثل قوس النبال |
ثمّ أمسكتُ بالعصا في يميني |
أتوكّا وتارةً بالشمال |
فعسى الله أن يتوبَ علينا |
ويزيلَ الآلام بالآمال |
ربِّ أحسن ختامنا وأجرنا |
في مقامٍ يعجُّ بالأهوال |