المبادرة والمبادأة الثقافية
|
في حديث فردي مع أحد المهتمين بالثقافة أخذ يشكو من العوائق العديدة التي تحد من طموح وبرامج التثقيف على وجه العموم، وكان الحديث منصباً على الإمكانات وضعف ساحة الاستقبال لما هو مطروح ثقافياً وأثناء الحديث تساءلت عن الثقافة وهمومها في العقد الماضي وظروفها فأجاب بابتسامة لا تخلو من العجب والتعجب، فأخذ يستعرض معاناة رموز الثقافة في ذلك العقد وكيف كانوا ينصبوك في الوصول إلى المعلومة وكيف كان المتلقي يسعى إلى الوصول إليهم وضرب أمثلة بمن استطاعوا أن يصلوا إلى ثقافة الخارج بالرغم من الصعوبات العديدة وآخرون بذلوا جهوداً في الداخل إلى أن تبوأ درجات عالية في تلك المرحلة من العلم والثقافة.. ثم أردف قائلاً: بل كانوا غير أنانين فهم بذلوا بصدر رحب لمن أراد أن يتثقف على أيديهم بل إنهم كانوا يجتهدون في نشر الثقافة بشتى الوسائل المحدودة آن ذاك، فبادرته بسؤال وما الذي تغير اليوم بل بالعكس اليوم بالإمكان الوصول إلى المعلومة بكثافة مرضية وأيسر من ذي قبل ولم يبقَ إلا دور المثقف الذي يجب عليه المبادرة والمبادءة دون أن ينتظر مردود مادي أما المردود المعنوي فالساحة الثقافية كفيلة به من خلال مواصلته وحرصه وإصراره عندها أخذ يسحب ما كان يطرحه من معاناة تجاه الثقافة شيئاً فشيئاً محاولاً إسباغ العيب في المثقف بالدرجة الأولى في الوقت الحاضر مبيناً بعض مبررات تهمته للمثقفين بالقول إن هناك من يريد أن يفرض أفكاره الخاصة أو نزعاته أو توجهاته أو خواطره الشخصية على الساحة الثقافية ويشترط القبول لهاه إكراهاً وهناك من يريد أن يصل إلى هدف شخصي من خلال ما يطرح الساحة الثقافية تكشف أهدافه وهناك من يحصر نفسه في زاوية ضيقة جداً قد تعني القلة أو الخصوص فقط الوصول إليهم أو تفاعلهم قد يكون مضنياً وربما وقف هؤلاء عند أول خطوة لأن الساحة الثقافية كفيلة بتميز هؤلاء ولها الحق في رفضهم أو قبول المفيد من بعض أفكارهم فيكون نشاطهم بالتالي محدوداً فينسحبون من غير استئذان من المجال الثقافي.
إن الطرح الثقافي في العصر الحاضر لم يعد محدوداً بمكان أو مظلة معنوية أو اعتبارية أو موضوعات تخصصية فهناك من يريد ويسمع ويرى ويزداد معرفة في شتى علوم المعرفة ويبقى دور المثقف أن يبادئ ويبادر وأن يكرر المحاولات مرجعاً بصره وبصيرته إلى ما يطرحه فلربما يكون العيب فيه لا في المتلقي، أما لعدم صلاحية طرحه مكاناً وزماناً أو لهزله وعدم جديته أو لعدم مناسبته للزمان أو المكان أو المتلقين ليقوم بتقويم ما قدمه لأن المتلقي هو المؤشر الحقيقي للقبول أو الرفض وهو المعني بجانب التراكم الثقافي وكثافته المطلوبة فيصبح ذلك رصيداً عاماً للوطن لا للشخص نفسه أعني المثقف.
وقبل أن ينهي بنا مقام الحديث حول الموضوع استدركت بالقول لنعد إلى الوراء زمنياً قليلاً لنتفحص إنتاج المثقفون في تلك الفترة والتي ألقى فيها هؤلاء ما في جعبتهم بإخلاص وتفاني لخدمة وطنهم وأضحت علامات تجود بها الأدعية الثقافية إلى اليوم.
ثم قال إنني أعجب أن تختزل الثقافة في أشخاص أو محاور وموضوعات فهناك مجالات تثقيفية شتى فهناك الثقافة الصحية والرياضية والتراثية والفنية والصناعية والرياضية والعادات والتقاليد فضلاً عن ثقافة الدين واللغة وغيرها من شتى ضروب المعرفة الإنسانية وقل إن شئت كل ميادين الحياة بشتى معالمها أدعية ثقافية ليبقى الدور على المثقف ليدلي بدلوه في أي صنف من صنوف الحياة ويظل الحكم للمتلقي في القبول أو عدمه.. والله الموفق.
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشعيل
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|