يوسف القعيد لـ«الجزيرة» قطار الصعيد يسير على قضبان الإبداع
|
* القاهرة مكتب الجزيرة عتمان أنور:
حكاء من طراز رفيع لغته بسيطة ولكنها مشحونة بهموم الوطن والمواطن البسيط ينتمي حسب تصنيف المجايلة الأدبي في مصر إلى جيل الستينات الأدبي الذي يضم كوكبة ممن اثروا الساحة الأدبية والثقافية المصرية والعربية منهم جمال الغيطاني، بهاء طاهر، وعلاء الديب وعبد الحكيم قاسم وغيرهم.. انه الأديب الكبير يوسف القعيد الذي يحمل عفوية الشخصية المصرية البسيطة لذا تخرج أعماله الإبداعية صورة تكاد تكون طبق الأصل من الواقع بأدق تفاصيله، صدر له العديد من الأعمال أبرزها (البيات الشتوي، أخبار عزبة المنسي، شكاوى المصري الفصيح، وجع البعاد، بلد المحبوب، لبن العصفور، إطلال النهار، خد الجميل، طرح البحر، حكايات الزمن الجريح) وغيرها من الأعمال التي رسخت مكانته الأدبية على الساحتين المصرية والعربية وصدر له مؤخرا رواية (قطار الصعيد) ورغم ان الرواية كتبت بلغة رقيقة ومشاعر فياضة وعن عالم مجهول بالنسبة للأديب إلا أن القارئ للرواية يشعر للوهلة الأولى أنها كتبت منذ زمن بعيد مما يخلق لديه نوعا من اللبس..
حول هذه القضية وأعماله وكتاباته الأخرى ومسيرته الأدبية كان هذا الحوار:
***
* القارئ لروايتك يشعر أنها نص قديم.. لماذا هذا الشعور برأيك؟
هذا بالفعل نص مكتوب منذ أكثر من عشرين سنة وتعود قصة ذلك إلى دعوة وجهها لي صديقي الشاعر (نصار عبد الله) والذي أهديت له الرواية للقيام برحلة إلى الصعيد وأمضيت في ضيافته فترة من الوقت وعندما عدت من الرحلة قمت بكتابة هذه الرواية لكن ترددت في نشرها لسبب بسيط هو انني من بحري وعندما نظرت إلى فكرة الكتابة عن الصعيد باعتبارها قفزة وشيئا غير عادي بالنسبة لي فكنت مترددا.. ولا علاقة للرواية من قريب أو بعيد لحادث قطار الصعيد.. وحاولت ان أجد عنوانا آخر غير قطار الصعيد حتى لا يوحي التشابه بأن الرواية كتبت عن هذا الحادث تحديدا.. ومن ينظر إلى الغلاف يجد ان الفنان حلمي التوني صمم الغلاف ووقعه عام 2002 والرواية صدرت أواخر العام الماضي وطوال هذه الفترة أخرت بروفات الرواية حتى أجد عنوانا آخر... لكن دون جدوى.
* هل يجب ان يقترب الأديب من العالم ليكتب عنه وألا يكتب عن تجربة لم يعشها؟
بالنسبة لفن الرواية بالذات نجده يختلف عن القصيدة أو المقال أو النص المسرحي وعن القصة القصيرة ويستحسن ان يكون هناك خبرة حياتية يومية لان الرواية هي فن التفاصيل الصغيرة.. نثر الحياة اليومية وتحويله إلى فن جميل لذلك أنا احب تاريخ مصر والكتابة عنه لكن لان التفاصيل تنقضي فلم اقبل على هذه الخطوة فأنا ضد الكتابة التجريدية وضد ان اقرأ لكي أعيد الكتابة عما اقرأ في كتابة تخصني احب بقدر الإمكان ان يكون هناك بذرة أو شيء يمكن الاعتماد عليه في التفاصيل اليومية وافضل ان اكتب عن شيء عشت تجربته.. وأود ان أقول شيئا لا يجب ان أقوله وهو انني عندما اكتب عن القرية أكون مرتاحا واعرف بدايتي من نهايتي لكن عندما اكتب عن المدينة أقاوم التوهان.. اشعر انني معرض لان أتوه وأقاوم هذا بقدر الإمكان وأكون قلقا عندما تظهر المدينة في روايتي وهذا حدث في (شكاوى المصري الفصيح) الثلاثية ورواية (أطلال النهار) ولو تمعنت فيهم كثيرا لوجدت انهم قادمون من الريف وأيضا رواية (لبن العصفور).
* نلاحظ في أعمالك السابقة وضوح الحس السياسي في بعضها بينما في (قطار الصعيد) كان الحس السياسي خافتا اللهم إلا بعض الاستشهادات بعبارات للرئيس (جمال عبد الناصر)..؟
أنا ضد فكرة ان يعلو وعي الكاتب على وعي أبطال العمل.. وأنا ضد أيضا إعادة تركيب العمل بحيث يعبر عني اكثر مما يعبر عن أبطال العمل نفسه والواقع.. وفي إطار الموضوع وإمكانياته كان لابد ان يأتي الحس السياسي خافتا باعتبار انني لا اكتب أدبا سياسيا مباشرا لكن اكتب فنا روائيا يستمد شرعيته من كونه رواية أساسا ولا احب ان يستمد النص شرعيته من خارج المشهد الذي اكتبه بين الأدب الواقع.
* هل ينبغي على الأدب ان يطرح حلولا للواقع؟
الروائي ليست مهمته طرح الحلول... عندها يكون قد تجاوز حده... والروائي عندما يشعرك ان ثمة خللا في هذا الواقع وان عليك ان تتحرك لحله وتغييره فإن هذا افضل ما أريده وأتوقعه من الروائي والعمل الروائي فهذا قمة ما أتمناه من الكتاب.. أما بالنسبة للنقد فهو مشروع وحق للروائي وأرى ان الشجاعة الحقيقية ان تنتقد أوضاعا راهنة والا تنتظر حتى تصبح ماضيا ثم تمتلك شجاعة الوقوف على مقابر الموتى وتحاسبهم.
* أنت متهم دائما بأنك تكتب عن فقراء لا تعرفهم؟.
هذا اتهام غير صحيح فأنا اكتب عما اعرفه ولم انفصل عن الفقراء وكل ما حدث طيلة السنوات الماضية انه حدث حراك اجتماعي شعرنا به جميعا وهذه إشكالية ضخمة يمر بها كتاب الأدب في العالم الثالث وخاصة من يقفون على يسار السلطة فهم يبدءون من قاع المجتمع لكنهم ينتقلون إلى فئة اجتماعية أعلى دون ان يخططوا لذلك كما ان طبيعة عملي في الصحافة تجعلني بالضرورة انتمي إلى شريحة اجتماعية شديدة الاختلاف عن البؤساء اجتماعيا واقتصاديا الذين اكتب عنهم ومع ذلك تبقى الرغبة في الكتابة عن هؤلاء الناس افضل من عدم الكتابة عنهم.
* بعين الراصد كيف ترى المشهد الأدبي الآن؟
أرى حربا أهلية بين المثقفين والمبدعين وحربا كلامية فقط على أشياء تافهة لا تمت للثقافة والإبداع في شيء ولا توجد معارك أدبية وفكرية حقيقية فكل شخص الآن من منتجي الأدب يعتقد ان أبواب الشهرة ستفتح أمامه ما بين يوم وليلة وإذا لم يحصل عليها يكون السبب شخصا آخر وعلى هذا تدور المعارك.
* ألم يحدث ذلك في جيلكم؟
لا.. كانت المعارك والحروب لها طعم آخر فكنا نذهب إلى مقهى رئيس مثلا لتبادل الفكر والرؤى حول الإبداع والنظريات الجديدة ونتشاجر ونختلف من اجل الفكر أما الآن لا نجد سوى الحديث عن الفرص فرصة السفر فرصة الترجمة فرص الجوائز والشهرة ولا شيء اكثر من ذلك.
* ماذا أعطتك الصحافة كأديب وماذا أخذت منك؟
الصحافة أعطتني فرصة ان أرى كل شيء في مصر ورفعت عني هالة القداسة عن كل ما اكتبه وأكدت لي ان لا شيء مقدس سوى الكتب المقدسة أما استفادتي كروائي فأنا اردد دائما ما قاله هيمنجواي: الصحافة تناسب الروائي تماما بشرط ان يعرف الوقت المناسب كي يتركها.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|