أعراف الأديب مستنسخاً!! محمد جبر الحربي
|
يتمتع بعض مثقفينا، أو من ولدنا لنجدهم هكذا، بقدرة عجيبة على التواجد في عدة أماكن في آن واحد، كما أن لدى نتاجهم نفس القدرة على الظهور في المطبوعات كافة مهما تناقضت، وكل وسائل الإعلام مهما تباينت وتنافرت، محلية أو مهاجرة أو وافدة.
ويعتقد من هم مثلي أن لهؤلاء نسخاً (فوتكوبيز) غير محدودة، إذ لا يعقل أن ترى الواحد منهم في عدة محطات تلفزيونية، وتسمعه في الإذاعة، وتراه منشوراً حتى على حبل الغسيل، ثم قد تراه في مجلس الشورى أو الحوار أو اللوردات مثلاً، وستجده حتماً في النادي الأدبي في جدة والرياض في آن، وجمعيتي الثقافة والفنون والمعوقين معاً، وحفل المدرسة وندوة الجامعة، وعلى نفس الطائرة، وعند إشارة المرور، وفي حفل الزواج الذي دعيت إليه ولم تذهب؛ لانشغالك بمحاولات فهم كيف استطاع هذا الأديب الأريب نسخ نفسه إلى هذا العدد الهائل المتنامي نملياً.
وهذا النموذج المذهل لا تستطيع فحصه أو فهمه إكلينيكياً فهو على غير قاعدة، وليس له نمط محدد يساعد على التقصي والبحث والدراسة، ومقارنة النتائج؛ وبالتالي فهم الحالة وإيجاد الحلول أو العلاج درءاً لتفاقمها وتناميها؛ فحسب التحليلات يمكن أن يكون (المذكور) ناقداً أو شاعراً أو كاتباً ذا عمود أسمنتي غير قابل للإزاحة.
ومن المهم أن نعلم أنه من غير الضروري أن يكون هذا المتعدد ابناً لهذه البيئة؛ فمن الممكن جداً أن يكون شقيقاً عربياً مهاجراً أو معارضاً أو هارباً من قضية لا يعلمها إلا جيرانه في المنفى الاختياري أو قد لا يعلمونها.
ومن المفيد أن تدرك هنا أنه لا يستوجب أن يكون بيننا فمن الممكن أن يراسل من لندن، باريس، أو هاييتي، أو جزر الكناري.
وتعجب ومن البدهي أن تعجب لجلده حين تجده منهمراً في كل المواسم على الصفحات المتعطشة في ملحق الأربعاء والجزيرة ورسالة الجامعة والمجلة العربية والفيصل وسيدتي والقافلة والمعرفة ومجلات وصحف لا سبيل لك إلى تذكرها ولو كنت سيد المتابعين.
ولا تذهبوا بعيداً وقد عرفتكم بحسن طويتكم فهم لا يستشرون في الحضور والنشر لأنهم يدعون إلى ذلك أيها الطيبون!!
فهم متواجدون لأن المطبوعات وبرامج وخطط الثقافة ليس لها قيمة، ولا تنمو وتزدهر وتثمر إلا بنورهم؛ وهم لذلك يتبرعون بالحضور ولو استاء مديرو الكاتب.
ومما يحسن استعادته في هذا السياق ليخفف عبئنا إحدى مشاكسات ومشاغبات الصديق المبدع جار الله الحميد اللاذعة الفطنة في أحد المهرجانات؛ إذ كان يقول لنا عن نسخة من نسخ أحد هؤلاء بلهجته المحببة: (يا جماعة فلان بس يجي!!).
وعندما لم يستوعب بعضنا، قال إنه (كثير، ما أشوفه يروح بس أشوفه يجي)!!.
وأمثال هؤلاء يتكلمون عن الثقافة بصيغة غريبة تعني أنهم الكل في الكل، وأن الثقافة لا تقوم ولا تستقيم بدونهم، وأنهم مسؤولون عن الهواء الذي نتنفسه، في حين أنهم لا يتركون مجالاً لمبدع شاب ولا مبدعة أن يحضر أو ينشر أو حتى يتنفس فهم مكتظون حتى في الهواء.
وهم لا يتركون للوزراء ولا للوكلاء ولا للمسؤولين فرصة حتى ليديروا وزاراتهم ودوائرهم؛ إذ هم حضور قبل الحضور، وقبل العشاء وبعد الفطور.
ولعل أكثر ما يدهش فيهم استشعارهم، ومعرفتهم بالتعيين قبل أن يتم، وللمهرجان أو الحفل قبل أن تولد فكرته، وللمطبوعة قبل أن تسمى، أو لعلهم أصحاب الفكرة والدعوة والحضور!!
mjharbi@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|