المجلة الثقافية... خلال عام من الصدور .. غير المتَّفق عليه عبد الله بن عبد الرحمن الزَّيد
|
قبل عام من هذه الايام، احتفلنا معا بميلاد (المجلة الثقافية) في هذه الجريدة خلفاً للملحق الثقافي الشامل الذي كان يصدر كلَّ يوم خميس فهل تجاوزت هذه المجلة الملحق الذي كان قائماً؟
الحقيقة أن المسافة الهائلة بين (الطموح) و(المؤمَّل) وبين ماهو حاصل من مقاربات ثقافية بسيطة تجعل الاعتقاد لايتوارى بأن مجلتنا الثقافية تلك لم تصل بنا إلى مشارف المبتغى الثقافي المطلوب.
والمبتغي الثقافي الأدبي المطلوب له ثلاثة محاور فقط لاغير:
الأول: يتمثل في سياق نخبوي في اللغة والمضمون وطريقة الأداء.
الثاني: مهمة نقدية تُحيل المقاربات إلى تقويم ثقافي متجاوز يتناول (الساحة الثقافية) ومافيها من شخصيات حقيقية، وغير حقيقية، وأعمال مطروحة بشكل مؤقت او دائم.
الثالث:نصّ مميز لايخفى ضلوعه المذهل في أمداء التجلي والاستثثنائية.
آمل من المتلقي الكريم أن يتحلى بقليل من الصبر وأن يتابع معي هذه اللحظات فسوف اشرح ماسبق شرحا وافياً كافياً:
فالمقصود بالسياق النخبوي ان تخلق (المجلة) سياقاً ثقافياً خاصاً بها لا أن تتساوق مع ماهو موجود من الأَنْساق التحريرية الأخرى، وفي ذلك الجريدة الأم ذاتها أوقول ذلك, لأن الطرح الثقافي بشروطه يختلف عن التنازلات الاخرى, ولأني وإزاء أعداد ليست قليلة من المجلة لم أجد فرقاً بينها، وبين صفحات أخرى تتعامل مع القارىء العادي ومع من يجرب حظه في الكتابة بل إن هناك أسماء من تلك الصفحات تسربت وبالفجاجة كلها إلى منابت (الثقافية) دون خجل أو حياء..!! وهنا الكارثة..
أسرع قبل ان تنكفى اوعية التردّي وأشير إلى أني لست أطالب بما سبق بإيجاد طبقية ثقافية، أو كتابية، أو أن تتحول الصفحات الثقافية إلى (يوتوبيا) لايتجاوز حرفها ومثاليتها سوى فئة معينة أبداً, وإنما أقصد أن المسألة الثقافية ذات (شروط) لايمكن تحقيقها أو تجاوزها بالرغبة المجردة في الإسهام والمشاركة أو بالانفعال من المهرجان الثقافي لذاته وبخاصة ان بيننا من تأخذه (النوايا الحسنة) في ذاته وفيما حوله فيتصور ان الدخول الى الساحة الثقافية والمشاركة فيها يكفي ان يسود بياض الورق بما يمكن ان يخطر على باله في لحظات ما..
وبصراحة متناهية لا اعفي الاستاذ المشرف من الوقوع في هذه المعادلة المزرية، فقد أعلن في أكثر من عدد من أعداد هذه المجلة ان الباب مفتوح لكل من تملكه الهواجس والخطرات لأن يلجأ الى صفحات المجلة، هكذا بكل ما في تجاهل المسؤولية من تنصّل..!!
أما المهمة النقدية فهي لب العملية الثقافية وبدون تلك المهمة يمكن لاي ذات فاسدة ابداعيا ان يسجل اسمه بتبجح في سجل المخضلة منابت تجليهم بأنساغ التفوق والعبقرية.
وبمناسبة التفوق والعبقرية ينبغي ان ندرك تماما ان اللحظات الابداعية الثقافية انما هي استثناء لايتكرر دائما وليست تحت طلب الرغبة المجردة اذاً عندما يغادر (النقد) (المجلة الثقافية) أو يبتعد او ينام او حتى يتثاءب فإن كثيراً من الساقطين ثقافياً، والمتردين ابداعياً، والذين يمثلون ادوار المبدعين سوف يصدقون مايعتادهم من رغبات ميتة وسيثقون بكذبهم على انفسهم وسيتبجحون في النهاية بما ليس من حقهم لقد اطلعت من خلال اعداد هذه المجلة في سنتها الأولى على نماذج عجيبة لست ادري كيف استوعبها السياق الثقافي الابداعي هنا:
فقد نشرت المجلة نصوصا ومشاركات لنوعيات لا صلة لها بالثقافة ولا بمفهومها الحقيقي:
هناك نماذج هدفها ان تتأكد من أنها مازالت قادرة على تحرير الانطباعات والهواجس!!
وهناك نماذج هدفها وعشقها الوحيد ان تبقى في الصورة..!!
وأعرف من تلك النماذج كذلك من لاعلاقة له بالموهبة والاستعداد وانه عندما تضيق به اشكالية (الرويّ) يفتح (القاموس) ليختار اي لفظ يكمل به عجزه وقصوره وإمحاله وادعاءه!!
فلا مبالغة إذاً عندما نشعر بأن السياق الثقافي يتعرض لتشويه ولمبادرات تحط من قدره فنحن قي حاجة شديدة الى (الناقد البصير) الذي لايكتفي بوضع النقاط على الحروف وانما يقرأ كذلك ماخلف الرغبات والمبادرات ثم ماذا تعني الممارسات غير الثقافية في (مجلة ثقافية) أو هي تعلن أنها كذلك.
نجيء هنا الى مسألة (النص الاستثنائي) فهل يعقل ان يختفي ولمدة سنة كاملة النص الاستثنائي؟!.
ابادر وأؤكد انه يمكن ان يختفي لسنوات عديدة وذلك لسبب بسيط وهو ان مبدع النص الاستثنائي لايمكن ان يهرول لدخول من خلال (بوابة) يدخل معها المتردي والدعي والتافه ومن ليس لديه مايقوله، المبدع الاستثنائي ذو النص المميز يحتاج الى من يسعى اليه ويقدره ويدعوه ويشعره بقيمه وقامته غير ان الذي حصل هو ان (المجلة الثقافية) لم تقم بهذه المهمة الرائدة وانما فتحت باب (المساهمات الكتابية) وانتظرت القادمين، ونشرت لمن وصل أولاً وتابعت تنشر لمن تابع الاتصال والإلحاح.!!
ومن الواضح جداً أن تلك ليست (ديدنا) محترما لمجلة ثقافية بحال من الأحوال..
النتيجة لكل ماسبق ان تهاوت جميع الطموحات والآمال في الفوز بمجلة ثقافية تملأ القلب والوجدان والفكر والفاعلية وبقينا ننتظر ولم تفلح مشاركات (محمد بن جبر الحربي) ولا (د. سعد البازعي) ولا الناقد (محمد الدبيسي) في إنقاذ المجلة الثقافية، ذلك لأن الغالب الكثير هو ما لايمت الى (المهمة الثقافية) بصلة.
ولا أُخفي المتلقي الكريم اني امضيت مدة ليست قصيررة وانا احتفظ بأحد أعداد هذه المجلة على أمل ان اقوم بمايشبه المساءلة الثقافية للأعزاء المشرفين عليها وكان السؤال الحاد جداً في مقدمة تلك المساءلة هو:
(هل هذه المجلة ثقافية فعلاً؟!) و(هل ماتشتمل عليه أعمال إبداعية حقاً؟!) و(كيف تمت عملية نشرها بهذا الشكل؟!).
أعرف اني قد قسوتُ الآن وباركتُ انفعالي غير أنها قسوة المحب وانفعال المنتمي وتجربة المسؤولية التي ينبغي ان نضطلع بها معا والدليل على كل ذلك أني ابادر الى المشاركة في هذه المجلة برغم ان القضية النخبوية والنقدية والنصية دون ماهو مطلوب، ومن هنا اشير الى مجموعة ِمنْ خطوات الإنقاذ التي تعنينا معاً منها:
* استشارة مجموعة من المثقفين والمبدعين الحقيقيين من أجل إيجاد أسلوب فاعل للوصول الى النخبوية الثقافية للمجلة.
* استكتاب المثقفين الذين يحملون هم الساحة الثقافية بصدق.
*الحرص على نشر النصوص الحقيقية للمبدعين الأصلاء.
* متابعة قضايا الساحة الثقافية ومناقشتها بشكل حاد.
ولا أشك في ان تلك الخطوات خطوات كبيرة وتتفرغ الى روافد ضرورية لإنجاح المشروع الثقافي غيرى ان البدء في السير على الدرب الصحيح هو المطلوب في كل الاحوال.
ومن أجل ألا تكون هذه المكاشفة شبيهة بأحاديث (النوايا الحسنة) أو بتناولات (الأحادية) في الرؤية والرؤيا أنبّه وأشير إلى أني أتوقع أن يكون هناك أسباب غير ثقافية أصلاً تكمن وراء تردي مشروعات المجلات الثقافية داخل الجرائد والمطبوعات وهنا لامفر من الشعور الحاد والاحساس الطاغي بحجم الكارثة لأن من الطَّبَعي والحالة هذه ألا ينفع توقٌ إلى النخبوية ولا اضطلاع مسؤول بمهمات نقدية ولاحرص شديد على (الأعمال) العبقرية.. هنا عادة يتوقف التفكير ويموت الفكر وهنا كذلك توجد (الأعذار المخزية) التي تنمو بعيداً عن الشمس والهواء.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|