« ثقافية الجزيرة» النموذج القوي والفاعل والحي د.عاصم حمدان
|
لم أكن أعرف شيئاً من رطانة الانجليز عندما انتقلت إلى بلادهم دارساً في أواخر عام 1399هـ 1979م، وقادتني الأقدار لبلاد الاسكتلنديين في أدنبرة وجلاسكو لدراسة اللغة وكان هذا باقتراح من الصديق الدكتور عدنان وزان الذي كان يدرس في جامعة أدنبرة موضوعا مهماً في الأدب المقارن وهو الواقعية عند أرنولد بينت ونجيب محفوظ.
REALISM IN ARNOLD BENNETT AND NAGIB MAHFUZ
A COMPARATIVE STUDY I THE ARABIC AND THE ENGLISH NOVEL University of Edinburgh 1981
وكانت لهجة الاسكتلنديين صعبة في فهمها على الانجليز فكيف بها على إنسان لايعرف من لغة القوم شيئاً إضافة إلى أن الاسكتلنديين لهم لهجة قومية خاصة بهم مثلهم في ذلك مثل سكان مقاطعة ويلز، إلا أن أدباء المقاطعتين ومفكريهم وزعماءهم السياسيين يكتبون ويتحدثون بلغة انجليزية راقية، فرئيس الوزراء البريطاني سيردوقلاس هام الاسكتلندي الأصل، وجورج توماس الويلزي من أكثر المتحدثين في مجلس العموم بلاغة وفصاحة وكانت مارجريت تاتشر تخشى من لغة العماليين نسبة إلى حزب العمال من أمثال مايكل فووت العمالي حقاً الذي يسير إلى المجلس على قدميه ولم يملك يوماً سيارة فارهة كما هو حال بعض الاشتراكيين العرب مع أنه وصل إلى زعامة الحزب، وأما الآخر الذي تشيد تاتشر بقدرته الفائقة على الحوار تحت قبة المجلس فهو نبيل كينيك الذي يعود في أصله لجذور ويلزية مثله في ذلك مثل جيمس كالاهان.
وبعد أن فتحت الحرف في هذه اللغة وقعت عيناي على ملحق أدبي رصين يصدر عن مؤسسة التايمز الصحفية المعروفة ويحمل اسم: THE TIMES, LITERARY, SUPPLEMENT أو مايعرف اختصاراً ب T.L.S
وهو ملحق رصين ومما لفت نظري هو تعدد الفنون التي تحتويها صفحات هذا الملحق الشهير، فهذه مقالة عن الدراما، وهذه قطعة تاريخية عن المستقبل الصعب أمام الحركة الصهيونية للكاتب Bernard, Wassertein، وهذا مقال متخصص عن الكمبيوتر وأهميته العلمية للكتاب والأكاديميين ظهر في العدد 376 والصادر في 13 فبراير 1987 وآخر عن استراتيجية الزعيم الأمريكي ايزنهاور في الحرب العالمية الثانية، وبحث عن حاجة السياسة الملحة لفن الشعر، وآخر عن المعايير المزدوجة في الأدب الأمريكي، ومقال نقدي عن الكتب الموجهة للطفل، ومقال طريف عن المرأة وفن الرواية، وبحث يتطرق إلى إمكانيات المكتب العام للوثائق الذي يعتمد عليه باحثون متخصصون من ثقافات مختلفة.
كان لابد من هذه المقدمة لأوضح أن مثل هذا الملحق تتجاور فيه التخصصات المختلفة التي يحتاج للاطلاع عليها جمهور واسع من القراء، معلوم ان صحيفة التايمز الرصينة كانت توزع إلى حد قريب مايقرب من المليون نسخة وهذا ملحق أدبي يصدر عن هذه المؤسسة إضافة إلى العدد الأسبوعي من الصحيفة الذي يتطلع الناس لقراءته كل يوم أحد ولا ينافسه في شعبيته إلا العدد الدسم من صحيفة الأويزرفر التي تعتبر التوأم لصحيفة الجارديان المعروفة باعتدالها ووسطيتها بينماتعرف التايمز بمحافظتها وميلها إلى التراث البريطاني العريق في كل حقل من الحقول سياسياً كان أو اقتصادياً وثقافياً وفكرياً.
ولقد مرت صحافتنا المحلية بمأزق كبير في مطلع الثمانينيات الميلادية عندما تترس كل فريق من الأدباء بملحق خاص بهم وكان الاستثناء من ذلك إبان تلك الحقبة ملحق الأربعاء الصادر عن صحيفة المدينة إبان إشراف الزميل الأستاذ محمد صادق عليه، فلقد كسر تلك القاعدة، وفتح أبوابه أمام المفكر الكبير أحمد الشيباني، والناقد المعروف الدكتور عبد الله الغذامي، والناقد المتخصص في الأدب الانجليزي الأستاذ عبد الله الحكيم والأديب الدكتور سعيد السريحي، إضافة إلى جملة من المفكرين والأدباء والمبدعين.
صدور الثقافية عن صحيفة الجزيرة الغراء مطلع كل يوم اثنين كان حدثا صحافياً هاما بشر به عند صدوره الأديب الكبير الأستاذ عبد الله جفري، ففيه تتجاور الفنون وتتحاور ولا أقول تتصارع الأقلام من مختلف التوجهات والأفكار، فأنت تجد حزمة رائعة إن صح التعبير من الكتاب والأدباء من أمثال منصور الحازمي، وسعد السعودي وابراهيم الناصر الحميدان، وعلي الدميني، وعبد الله باقازي وفائز موسى الحربي، وتركي الماضي وعلوي طه الصافي، وعبد الرحمن المعمر ومحمد العمري، وعبد الله الفيفي ومحمد الدبيسي، وسهام القحطاني وعلي العمري، ومنصور الجهني وتهاني المنقور، وسالمة الموشي، وإنك لقارئ فيه بحثاً عن السياسات الثقافية العربية، والقوة والإرهاب وجذورها في عمق الثقافة الأمريكية، والتأليف في الأنساب بين المعايير والمحاذير، ونقد أخف من الريش.. أعمق من الألم، ولابد أن أشير أن بعض كتابات محمد جبر الحربي التي تكشف عن حس نقدي رفيع لديه قد اتخذت منحى جديداً وهو نقد حركة الحداثة من الداخل، وان ما تتخوف بعض الملاحق من الاقتراب من حماه، قد أفلحت بكل ثقة واقتدار الثقافية من الولوج إلى اعماقه وإن القراءة التي تقدمها زاوية تكوين لتؤكد على أن مرحلة الشللية قد ولت وان على المنابر الأدبية الأخرى ان تدرك ان المرحلة الراهنة التي يعيشها المجتمع لجديرة بقراءة جديدة وواعية ورصينة وعلى بعض الأقلام التي تتغذى على الصراعات والثارات القديمة أن تطوي شراعها وتختفي وتفسح المجال أمام هذا الوعي الأدبي الجديد المتمثل في ثقافة الجزيرة وملفاتها الثرية التي تحتاج لأكثر من وقفة عابرة كهذه لقلم شهد بداية بعض الصفحات والملاحق الأدبية بدءاً من الصفحة التي كان يحررها المرحوم القاص سباعي عثمان بصحيفة المدينة وملحق الندوة الثقافي الذي كان يعد أهم ملحق في بلادنا في التسعينيات الهجرية وكان يقوم بالإشراف عليه أستاذنا الدكتور صالح جمال بدوي، وملحق التراث الذي رعاه بكل إخلاص الزميل الدكتور محمد يعقوب تركستاني، المريد الصالح لعلامة اللغة والأدب شيخنا المرحوم السيد محمد أمين كتبي، والملحق الثقافي الذي صدر عن صحيفة المدينة في النصف الثاني من التسعينيات الهجرية لرائد نسيه بنو قومه وهو الأديب والشاعر المرحوم عبد الله العباسي، إضافة إلى ملحق الأربعاء الذي ظهر مع بداية عام 1400م على يد الأديب والمبدع السيد عبد الله جفري وبرعاية من رئيس تحرير الصحيفة آنذاك الأستاذ أحمد محمود إضافة إلى ثقافة اليوم في صحيفة الرياض، والصفحة الثقافية بصحيفة اليمامة التي كان يشرف عليها الشاعر محمد جبر الحربي، وثقافة عكاظ، والملحق الثقافي الذي أصدره الأخ عبد العزيز الخزام عن جريدة البلاد.
وشهادتي في ثقافة الجزيرة غير مجروحة فالعبد الفقير إلى الله لم يحظَ بشرف المشاركة فيها ولكن يحق لي بكل موضوعية وتجرد من رفع صوتي قائلاً: إنها تمثل النموذج القوي والواعي والحي مضمونا وإخراجاً لما يفترض ان يكون عليه الملحق الجامع لشتات الفكر والأدب دراسة وإبداعاً بعيداً عن الشللية والفئوية الفكرية والأدبية التي جنت على أدبنا كثيراً في المراحل السابقة، ولسنا بحاجة لتكرار مثالها السيئ، ويكفينا هذا المثال الإيجابي ثقافة الجزيرة وهنيئاً لوليد اكتمل نموه واكتسب القدرات الضرورية لحياة متفتحة وهانئة على يد الإنسان المهذب خالد المالك ورفاق له، وجعل الله ذلك كله في رضائه ونشر الكلمة الطيبة في هذه الحياة.
* أستاذ الأدب المشارك بكلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز جدة
في يوم الأحد العاشر من شهر ذي الحجة المبارك 1424هـ
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|