(الثقافة والمثقف)؟ د. محمد بن صنيتان *
|
يعرف (أسامة عبدالله) الثقافة بأنها: التراكم الإبداعي عبر مسيرة الحضارة الإنسانية والمعرفة بشتى أبعادها.
ويعرف (المثقفين) بأنهم: تلك الفئة التي تمتلك ناصية القدرة الإبداعية المستنيرة في عطاء إبداعي.. مع المتابعة للعطاء الإبداعي.. واستيعابه, وسعة الاطلاع من أبعاد شتى للعطاء والإبداع واستثماره.
وإذا جاز للكاتب المساهمة في تعريف الثقافة المثقف, فالثقافة بمفهومها العام: هي الحاملة لهَمّ المجتمع, وبمفهومها الخاص: هي الوعي الحقيقي الذي ينير مسالك المجتمع نحو تحقيق أهدافه الواسعة.
** فالثقافة معنية بصناعة المثقف، والمثقف معني بالتزامه الأدبي تجاه قضايا مجتمعه، فالمثقف ليس هو القادر على مناعة الحرف وبناء الخطاب.. ؟ وتحليله فقط .!إلا أنه صاحب (المبدأ) الذي لابد له أن يتحمل الصعاب والتضحيات بشجاعة من أجل مبادئه تجاه دينه وأمته وهويته وترابه.
إن الشجاعة في القلوب كثيرة..! ووجدت شجعان العقول قليلاً..!
إن المثقف ليس هو الذي يعادي السلطة.. كما جاء في بعض التعريفات والاجتهادات الخاطئة (المتطرفة..)، وإنما المثقف هو الذي يأخذ على عاتقه تحمل مسؤولية تصويب مسار المجتمع.. سلطة وحكومة ومؤسسات وأفرادا، ثم تقييم وتصويب تجربة مجتمعه وأمته.
** فالمركز.. أي (مركز)..! تصرفه مشاغل البيروقراطية اليومية, والارتجال في الحلول, لملاحقة المشكلات المتسارعة اليومية.. وهنا يأتي دور المثقف ليرسل سنا برق ألمعيته وقدرة معرفته بحزم ضوئية, يسلطها على خيارات الأمة, لينير لهم بصيرة الاختيار.
المثقف.. هو الذي ينافح ويكافح ويتناقض مع الآخر، ليقدم كبسولة التفجير مع المثقف الآخر.. لمزيد من تلاقح الأفكار والتأثر والتأثير..!
إن حجة أصحاب التوجه الثقافي الانفلاتي, هو ادعاء الأصالة..! ويبررون ذلك بمحافظتهم على النقاء الأصلي لهويتهم, مما يدعونه (التلوث) القادم من الآخر الخارجي، فهم يدعون أنهم يحمون ثقافاتهم من اعتداء الثقافات الأخرى.
** إن (الشرنقة) شرنقة العنكبوت بخيوط حول جسدها.. ظاهرة شائعة لأصحاب الثقافات الموروثة كالمبشرين من المسيحيين, والقوميون في أوروبا وأنصار الهندوسية, والمحافظون في إيران, الذين يرون أنهم يحمون مجتمعهم من العناد الغربي, إن أصحاب التوجهات التقليدية في الوطن العربي ليسوا استثناءً..؟
ففي أوروبا يمكن أن يقوم نشاط تجاري من خلال إقامة محلات تجارية ومنشآت كثيرة تختص بمنتجات (الأصالة).
إن خطاب الأصالة توجه لتعزيز الهوية وثباتها أمر (محمود) بشرط ألا يكون خطاباً يعيد أحياء الماضي باستمرار, وبلا فرز.. ولا انتقاء..! مما يثقل الحاضر (المعاصر) باستمرار.
** وهنا نكرر ما سبق من تعريف أن الثقافة بمفهومها الشمولي هي نسج خيوط العلاقات, وبناء جسور المعرفة بين المستويات الاقتصادية والسياسية وتتفهم ايديولوجية الآخر.. دون تقبلها.. ولا معاداتها والقطيعة معها.. إن ثقافة المجتمع هي المكون الأساسي لرؤيته ومفاهيمه نحو الأشياء والناس حوله، ومن خارجه..
فالمجتمعات هي التي تضع تاريخها, والثقافة هي التي تعطي الوعي الحقيقي للمثقف وتزوده بوعي حقيقي لا ينضب ولا يضر بمصالح أمته ومجتمعه.
إن من ضمن الاتهامات في الزمن الماضي.. أن بعض عطاء الفئة المثقفة لا يجد مساحة وحرية في النشر؟
وقد أفلحت الجزيرة (الثقافية) إجابة وافية عن هذا السؤال الكبير..؟ من حيث المساحة والحرية.
** إن حرارة المواضيع البارزة على جغرافية مساحتها وكفاية المستكتبين فيها رغم أنها لم تبلغ الفطام حتى الآن برهان قوي على أنها استطاعت أن تواكب رصيفاتها من المطبوعات الثقافية الدورية محلياً وعربياً.
وهي مطبوعة لا تنتشرفقط داخل اهتماماتها المحلية، بل استوعبت أقلاماً ثقافية من بعض أقطار الوطن العربي. وأصبحت بيد كل قارئ عربي، وفي أي مكان.
** لقد انجبت (الجزيرة) مولوداً ورث جينات أمه.. وهي تستمد اسمها من الجزيرة الأم المكان والتاريخ، فالجزيرة تحمل هموم الجزيرة العربية التي أعطتها اسمها, وهي سهم العرب، ولا غرابة أن تكون وفية لقضايا الجزيرة العربية والوطن العربي المتحدر من أروقة الجزيرة العربية.
إن المعالجة النقدية النزيهة.. تلزم الناقد الواعي للثقافية.. أن يكون وفياً بقدر وفائها.. وتطلعها إلى التقييم المستقل, وألا يبخل عليها بملاحظاته النقدية.
التي قد تكون تطلعات وأماني أكثر منها ملاحظات؟..
** وحبذا.. لو تخصص (الثقافية) باباً على صفحاتها.. يكون معنياً بمناقشة الثقافة من حيث المفهوم العلمي والنظريات المنهجية.
وأن يكون هناك باب (آخر) للترجمة القصيرة لبعض الكتابات الأمنية المختصة بالثقافة.. لأن ذلك يعطي الثقافة المحلية في رأيي قدراً من التصويب المهني والمنهجي, وجرعة من المعاصرة مع إنجازات الثقافة العالمية. ولتسير الجزيرة الثقافية يحرسها الله.. ويحرث تربتها الحفية المثقفون.
* كاتب سعودي المدينة
| | |
|