الثقافية ولعبة الضمائر محمد الصفراني
|
إن كل ما في الوجود يسهم بشكل أو بآخر في صناعة الوعي الإنساني وتشكيل الثقافة لدى فئات المجتمع المختلفة، ومن هذا المنطلق تستمد عملية تقييم الموجودات شرعية انتمائها إلى صميم العمل الثقافي، خصوصاً إذا كان المقيَّم بفتح الياء منجزاً ثقافياً أو مشروعاً للإنجاز الثقافي، وكلا الوصفين ينطبقان على ملحق صحيفة الجزيرة الموسوم ب الثقافية.
في البدء لا أود أن أضع نفسي موضع الإعلامي المتخصص أو الصحفي المتمرس، بل أود أن أضع نفسي موضع القارئ المتابع لعدد من الملاحق الثقافية المحلية والعربية ومن بينها الثقافية إصدارة صحيفة الجزيرة التي ابتهجت كغيري من المتابعين بإشراقتها، وتوقعت، ولا أقول: خابت توقعاتي، وإنما أقول: تضاءلت توقعاتي حتى غدت بحجم ما في الثقافية من تمييز.
عندما طلب مني أخي محمد الدبيسي أن أزور الجزيرة بيتي الأول على حد تعبيره لم أشأ أن تكون زيارتي مقتصرة على حديث ثنائي عابر وكأنني أخربش على حيطان البيت من الخارج وأهرب في العتمة قبل أن يراني أحد، ولكنني آثرت أن أطرق الباب وأفاتح القوم بما يختلج في نفسي حباً وطواعية، وأنا على يقين من أن حسن الظن بالناقد وتقبل النقد شرط التقدم في أي مجال.
رأيت من واجبي والجزيرة الثقافية محل اهتمامي منذ أيام الضمير المستتر تلك الزاوية التي كانت تعلق على ما ينشر في الملحق من نصوص إبداعية وحتى أيام الضمير البارز أن أبارك اشراقة الثقافية وأشد على يد القائمين عليها، فبعثت خطاب تهنئة لم أكن أتوقع أن يصبح مؤشراً على وضع الملحق إلا عندما فاجأني منشوراً على الصفحة الأخيرة من صفحات الثقافية مثله مثل عشرات الخطابات التي جاءت مهنئة مباركة، وقد لفت نشر خطابات التهنئة نظري إلى نقطة مهمة تتعلق بحجم الملحق، فعدت إلى الصفحة الأولى وأخذت أحصي الصفحات وقد هالني الرقم الذي وصلت إليه، عندها وجدت تفسيرا مقنعاً لنشر خطابات التهنئة على صفحات الملحق. إن تألق الملحق الثقافي لا ينبع من خلال حجمه ولونه وشكله الخارجي، ولكن التألق الحقيقي ينبع من المادة الثقافية التي تقيم صلبه ومستوى ونوعية تلك المادة، ولا أود أن تفهم ملاحظتي هذه على أنها انتقاص لأي من كتاب الملحق الأعزاء أو القائمين عليه، فلكل مني التقدير والود والاحترام.
إن ما حيرني، ويحيرني كثيراً في ثقافة الجزيرة بشكل عام، هو ما يمكن تسميته: عدم وضوح خط الملحق وهذه وغيرها وجهات نظر على أية حال فقد حاولت مراراً وتكراراً ان أتبين خط ثقافة الجزيرة قبل وفي أثناء الثقافية فلم أكد أجزم على شيء، وقد نتج عن عدم وضوح خط الملحق ما يمكن أن أوجزه في النقاط التالية:
1 تغير مواعيد إصدار الملحق من الأحد إلى الخميس إلى الاثنين.
2 تغير شكل إصدار الملحق من حيث الاتصال والانفصال.
3 التفاوت الحاد بين مواد الملحق من حيث المستوى والتوجهات.
ولنناقش كل نقطة من النقاط السابقة على حدة لنتبين ما آلت إليه الأمور:
عندما كانت زاوية (الضمير المستتر تطل من خلال ملحق الجزيرة الثقافية) كانت الجزيرة تعيش مرحلة اختمار وكمون يمكن ان تشبهها على المستوى اللغوي بكمون أو استتار الضمير داخل الفعل، ومنذ ذلك الحين وهي تسعى حثيثة لإخراج جنينها مكتمل النمو، وعندما شعرت بقدرتها على ذلك تحولت إلى يوم الخميس في محاولة لمزاحمة ملاحق أخرى، وكأنها تريد أن تقول: ها قد وصلت إلى مستوى المنافسة، علما بأن الثبات على يوم واحد في الإصدار يكرس العلاقة بين اليوم والملحق، وتصبح عملية التوجه إلى الملحق في ذلك اليوم عملية آلية (عادة ثقافية) لدى عدد كبير من القراء بغض النظر عن المستوى، لكن الواقع أن الثقافية لم تزل تشعر أنها لم تأخذ استقلاليتها التامة، ولم تبن كيانها الشخصي الخاص. من هنا عمدت الجزيرة الثقافية إلى الانفصال عن جسم الصحيفة الأم في شكل ملحق مستقل ويوم مختلف عن السابق وهو يوم (الاثنين) في صورة اعلان صارخ عن الاستقلالية وبناء الكيان الشخصي المستقل، ولكن هل حدث هذا بالفعل؟!
إن مراجعة المواد المنشورة على صفحات الثقافية تدل على التفاوت الحاد بين مواد الثقافية من الناحية الإيديولوجية على وجه التحديد، وهذه المراجعة تعطينا الجواب الشافي عن السؤال المطروح أعلاه وهو أن الخط لما يزل يبحث عن نقاطه الأساسية حتى يكتمل لونه وتظهر صورته، إن إعلان الاستقلال جاء أكبر من حجم الامكانات، ولا أعني الامكانات المادية، فبناء الشخصية الثقافية يتطلب تحديد الخط والوجهة وتحديد القارئ المتصور والمستهدف، أو ما يعرف ب القارئ الضمني للملحق، وعلى ضوء الخط والوجهة والقارئ ستتحدد المادة الثقافية تلقائيا، هذا إلى جانب التركيز على البعد المحلي الشمولي وصولا إلى البعد العربي.
إنني حين أسوق ملاحظاتي تلك لا أهدف إلى شيء سوى طرح وجهة نظري حول عمل أرى أنه خليق بالتقدير وجدير منا بالاهتمام، وهو جهد لا يمكن إنكاره ولا إنكار دوره في تأسيس الوعي بيننا، كما أنه صوت لا بد من الإصغاء إليه، لأنه يفرض نفسه عليك بما تجده من إشارات الأمل التي يبديها.
* كاتب سعودي المدينة
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|