أ.د.صالح معيض الغامدي
أما الفصل الثاني الذي جاء بعنوان « كأنك في الدهر ابتسام: من الرياض إلى عسير» فتسرد فيه الكاتبة تجربة الأميرة الحياتية في هذه المنطقة مستقية بعض تفاصيلها الشخصية من الأميرة مباشرة ، ولو أن التركيز في هذا الفصل وفي فصول السيرة كلها حقيقة ينصب على العمل الاجتماعي والخيري والتطوعي الذي قامت به المرأة مظفرا بالأعمال الجليلة التي قامت بها الأميرة هناك في وقت كان العمل في هذا المجال فقيرا ومحفوفا بالمخاطر، إذا لم تكن الأنظمة والتشريعات كافية لتطوير هذه الجوانب من التنمية، وبخاصة ما يرتبط منها بالمرأة تحديدا.
وفي الفصلين الثالث « ويسعد الله أقواما بأقوام: من عسير إلى القصيم» والرابع « العودة إلى الرياض: لم تلق عصاها، ولم يستقر النوى» يتكرر سرد ما قامت به الأميرة من أعمال جليلة في مجال العمل الاجتماعي والخيري والتطوعي في كل من القصيم والرياض، مع ملاحظة كثرتها وتنوعها وثرائها في هاتين المنطقتين لأسباب تتعلق بنمو خبرة الأميرة وتجربتها في هذه الأعمال من جانب، وبتطور الأنظمة والتشريعات التي سنتها الدولة - رعاها الله- للتنمية الاجتماعية بشكل عام وتنمية المرأة بشكل خاص، من جانب آخر.
أما الفصل الخامس من هذه السيرة الذي جاء بعنوان « أقلام تروي: وصادق الحب يملي صادق الكلم» فقد خُصص للشهادات التي كتبها خمسة عشر كاتبا وكاتبة، يأتون من مشارب متنوعة، من أمراء ووزاء وأكاديمين وأدباء وشعراء ومسؤولين وكتاب …إلى آخره.
وقد أضفت هذه الشهادات عمقا أكبر للسيرة وأضاءت جوانب كثيرة من شخصية الأميرة لأن أصحابها قد عرفوا الأميرة أو عملوا معها في مجالات مختلفة عن قرب، وقد كانت هذه الشهادات من أهم المصادر التي اعتمدت عليها الدكتورة عزيزة المانع في تأليف هذا الكتاب السير-غيري عن الأميرة نورة.
بقي أن أشير إلى ثلاثة أبعاد أسلوبية لفتت انتباهي في هذه السيرة الغيرية، أولها الأسلوب السهل الممتنع التي وظفته الكاتبة في سرد حياة الأميرة وبخاصة العملية منها والوظيفية والدور الوطني والإنساني الذي قامت وما زالت تقوم به. فجاء هذا الكتاب سهل القراءة، قريب المتناول من كل قارىء بغض النظر عن خلفيته الفكرية والأدبية والثقافية، عظيم الفائدة فيما يتعلق بالعمل الاجتماعي الخيري التطوعي، وبخاصة في مجال المرأة.
أما البعد الثاني فهو البعد التناصي الذي انتهجته الكاتبة في عنْونة الكتاب وعنونة فصوله الخمسة. فتوظيف الاقتباسات الجميلة الدالة من الأمثال والأشعار المشهورة في عنوان الكتاب الرئيس وعناوين والفصول أضفى على السيرة مسحة جمالية، وجعل القارىء يستدعي المناسبات التي قيلت هذه المقتبسات فيها ويسقطها على قراءة هذه السيرة، الأمر الذي أكسب السيرة جمالا أدبيا وعمقا مضمونيا ودلاليا.
أما البعد الثالث فهو اعتماد الكاتبة على ما أدلت لها به الأميرة من إحابات على تساؤلاتها، وقد وردت هذه الإجابات بضمير المتكلم (أنا) وكُتبت بأسلوب رشيق جميل، ولا غرابة في ذلك فالأميرة خريجة قسم اللغة العربية وآدابها، ولعل هذه النصوص التي أوردتها الكاتبة للأميرة تكون بداية لتفكيرالأميرة في كتابة سيرتها الذاتية مستقبلا، فهي جديرة بالكتابة حقا. وسنستشهد بمثالين قصيرين من نصوص الأميرة المقتبسة نختم به هذا المقال.
تقول الأميرة مشيرة إلى زوجها الأمير فيصل بن بندر آل سعود « قدري الذي أحمد الله عليه أن أرتبط برجل عظيم، كرس حياته للخدمة الوطنية والعمل العام وتنقل في أكثر من منطقة. تعلمت منه أن العمل المجتمعي والتطوعي، ليس مجرد واجب، بل هو رسالة تحمل في طياتها الأمل والتغيير…»
وتقول واصفة مشاعرها عند سماع خبر انتقال عمل زوجها من عسير إلى القصيم: « لا أنسى ذلك الموقف، كنت في حفل للأيتام، وحينما أذيع نقل زوجي فيصل إلى القصيم، تفجر البكاء في كل مكان وتأثر الأطفال الذين ظنوا أن الجميع بمن فيهم أنا، سنتخلى عنهم. فصرت أطمئنهم بأننا سنكون دائما معهم ولن نخذلهم أبدا، وأن العمل ليس مرتبطا بأفراد وأنه سيستمر وستبقى شعلة التنمية مضيئة بجهود الجميع، كنت أقول لهم ذلك وأنا في داخلي أشعر بشىء من الخوف والتوجس …».!!