د. محمد بن إبراهيم الملحم
نحاول اليوم الإجابة عن السؤال المهم، وهو: كيف يتصرّف وليّ الأمر عمليًا إذا اكتشف أن ابنه متنمّر؟ وللإجابة لابد من توضيح أن ذلك يختلف باختلاف فئة عمر الطالب (أو الطالبة)، فإذا كان بين (7–9 سنوات) أي أنه في أحد الصفوف الأولية للمرحلة الابتدائية فلابد أن نوضح أنه في هذه المرحلة يتسم بأن لديه إدراكا متناميا لمشاعر الآخرين، لكنه ما يزال ضعيفًا في ضبط النفس، وهو يتأثر كثيرا بالمشاهَد التي يتعرض لها يوميا، فتنطبع في ذاته وتصيغ سلوكياته وهي المشاهد التي يراها في محيط الأسرة أو عبر الإعلام التقلدي أو الجديد، ولذلك قد يقلّد دون وعي كامل بالأذى الذي يسببه فيمارس التنمر.
وهنا يجب أن يكون تصرف الوالدين برد فعل هادئ وحازم فيتجنّبون الصراخ أو التعنيف لأنه يعمّق نموذج العنف لديه ويكتفى بالقول له مثلا «نحن لا نسمح بإيذاء أحد، لا بالضرب ولا بالشتائم» ويكون ذلك في حوار مبسّط يربط الفعل بالمشاعر وينطلق من أسئلة مثل «ماذا فعلت لزميلك بالضبط؟» ثم بعد الإجابة يأتي السؤال التوجيهي «لو أن أحدهم فعل هذا بك، كيف ستشعر؟» وهنا يتم بناء التعاطف كعامل وقاية مهم تؤكّده دراسات كثيرة وجدت ارتباطا بين ارتفاع التعاطف وانخفاض السلوك العدواني. ويتلو ذلك إلزام الطفل بإصلاح ما أفسده من خلال اعتذار مباشر أمام المعلم أو الزميل (بجملة قصيرة يتدرّب عليها في البيت) مع تعليمه أن الاعتذار ليس إهانة، بل تحمّل لمسؤولية الفعل المؤذي الصادر منه.
ثم يجب أن يراجع الوالدان نموذج البيت بتخفيف البرامج أو الألعاب التي تمجّد العنف، وتجنّب السخرية من الطفل أو من الآخرين ، ثم تعزيز أي سلوك تعاطفي يظهر منه بمدحه كثيرا والثناء عليه.
أما إذا كان الطالب أكبر سنا أي في الفئة العمرية (10–12 سنة) فهي مرحلة بداية الوعي الاجتماعي فيزداد وعيه بالصورة التي يبدو بها أمام أقرانه، ولذلك فقد يمارس التنمّر ليحظى بانتباه المجموعة أو ليثبت أنه «قويّ» بما فيه الكفاية، وهنا يكون تصرف الوالدين بجلسة مصارحة جدّية ومحترِمة لشخصيته في نفس الوقت فيقولان له مثلا «وصلتني معلومات أنك تؤذي زملاءك.. وأريد أن أفهم وأساعد، لأني لن أقبل استمرار هذا السلوك». ويبدأ الوالد في التفكير معه سويا لتحليل الأسباب، فيسأله: هل يشعر أن زملاءه يسخرون منه فيبدأ هو بمهاجمتهم؟ أو هو هل يقلّد مجموعة من الأصدقاء لكي لا يُنبذ؟ أو هل يشعر أن لا أحد يسمعه في البيت فيبحث عن السيطرة في المدرسة؟ ثم يقدم له الوالدان مهارات بديلة لهذه المواقف فمثلا في حالة المزاح الثقيل من زملائه يشرح له كيف يتجنب أو يرفض هذا النوع من المزاح بدلا من أن يمارس التنمر كرد فعل، وفي حالة الإساءة إليه كيف يعبر عن انزعاجه بكلمات واضحة بدلاً من الضرب أو السخرية بمثل ما اعتدي عليه، ويشرح له أهمية أن يتماسك ويكون قادرا على ضبط انفعالاته، ويمكن تمثيل مواقف (role play) في المنزل معه ليستوعب كيف يمكن تطبيق مثل هذه التصرفات الحسنة ليبتعد عن المواقف التي تستفزه ليتنمر على الآخرين.
وإذا اتضح للوالدين أن التنمر هو ليس ردة فعل لما يمارس ضده من استفزازات لفظية أو معنوية وإنما هو من يبدأ بالاعتداء فيجب أن يشرحوا له عدم رضاهم عن ذلك وعليه أن يلتزم بعدم العودة لهذا السلوك المشين، ويكون ذلك باتفاقية سلوكية مكتوبة يدونها هو بنفسه ذاكرا ما السلوك الممنوع، وما السلوكيات المطلوبة، ثم ما العواقب إذا تكرر التنمّر (مثل حرمان من لعبة معيّنة أو تقليل وقت الأجهزة)، مع الحرص على أن تكون العواقب ثابتة ومتدرجة، ومن المهم التواصل مع المرشد الطلابي أو المعلم للحصول على صورة متكاملة والتنسيق معا لاتخاذ اجراءات متزامنة (في البيت والمدرسة) حتى يتم ضبط سلوك مثل هذا الطفل العدواني الطبع، مع التأكد من تجنب العقوبات المدرسية القاسية وإنما تكون ضمن خطة علاجية لا إذلال فيها، فالدراسات تشير إلى أن العقوبات المهينة قد تعيد إنتاج العنف بدل أن تخفّفه. وسنتكلم لاحقا عن تنمر المراهقين.
***
- مدير عام تعليم سابقاً