د. إبراهيم بن جلال فضلون
«عازمون على تعزيز متانة الاقتصاد المحلي»، جملة ملأت فكر رائد الرؤية ومهندسها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- عن ميزانية اعتدنا منذ سنوات وحتى في أثناء أسوأ الظروف أن تكون تريليونية ليزدان عام 2026 بها مؤكدة «أن مصلحة المواطن في صدارة أولويات حكومة المملكة، وما تحقق من إنجازات كبيرة كان بفضل الله ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وجهود أبنائها وبناتها».
هكذا سارت ميزانيتنا وقوتها الاقتصادية لقممُ عبر عقود - كانت محطات تاريخية لتنسيق المصير، وتجسيد الطموح الاقتصادي والجيوسياسي لدول المنطقة، لتأتي القمة الخليجية 46 اليوم في وقت تتحوّل فيه الأنظار إلى دول الخليج والكنز المدفون، ليس كمصدر للنفط فحسب، بل كمُحرّك أساسي في سوق الطاقة العالمي، بوابة للاستثمارات الضخمة، ومركز ريادي يحتمل أن يعيد رسم خريطة الاقتصاد الدولي.
ووفق المؤشرات كانت الإيجابية للاقتصاد السعودي الذي جاء امتداداً للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل «رؤية 2030»؛ إذ تشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6%، مدفوعاً بنمو الأنشطة غير النفطية التي واصلت دورها المحوري في قيادة النمو الاقتصادي، مسجلةً نمواً بمعدل 4.8%.
أما اقتصادات دول المجلس فأظهرت في 2025 قوة لافتة: وفق بيانات رسمية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول GCC عند الأسعار الجارية نحو 588.1 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025، بزيادة نحو 3% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، بينما شكلت الأنشطة غير النفطية حوالي 73.2% من الناتج عند الأسعار الجارية، والأنشطة النفطية حوالي 26.8% - ما يعكس بوضوح نجاح سياسات التنويع الاقتصادي وتحوّل «خليج ما بعد النفط» من شعار إلى واقع.
لكن الريادة السعودية كانت تؤكد تعزيز متانة ومرونة الاقتصاد بما يسهم في استدامة نموه وتمكينه من تجاوز تحديات وتقلبات الاقتصاد العالمي، حيث اعتمدت المملكة على تنويع القاعدة الاقتصادية، وتحفيز الاستثمار، وتسريع وتيرة التحول الاقتصادي، ليدفع من جهة النمو المتوقع، مستقبلا بانفراجة في الأداء الاقتصادي الخليجي، لاسيما بعد قوة زيارة ولي العهد للبيت الأبيض، باستثمارات فاقت المخيلة الأمريكية فبعض المؤسسات الخليجية تتوقع أن يصل النمو الاقتصادي للدول الأعضاء إلى نحو 4.4% في 2025 مدفوعًا بارتفاع إنتاج النفط جزئيًا، لكن مع استمرار قوة القطاعات غير النفطية ولا ننسي دور صندوق الاستثمارات العامة في دعم تحقيق كل المستهدفات لتنمية القطاعات الاستراتيجية والواعدة وبناء شراكات اقتصادية استراتيجية بما يتكامل مع جهود تنويع الاقتصاد المحلي ويُسهم في تعزيز متانته واستدامة المالية العامة على المدى الطويل، إضافة إلى دور صندوق التنمية الوطني والصناديق التنموية التابعة له، المكمّلة لدور الميزانية العامة للدولة في تحفيز النمو والتنويع الاقتصاد. هذا المزيج بين الحضور السعودي الدولي والنفط الخليجي والاقتصاد المتنوع يمنحهم مرونة كبيرة في ظل تقلبات أسواق الطاقة العالمية، ويجعل دوله لاعباً أكثر استقراراً وجاذبية للاستثمارات.
وراء هذه الأرقام تقف أصول ضخمة تحت إدارة صناديق سيادية خليجية، تُعد من بين الأقوى على مستوى العالم، ما يمنح دول المجلس نفوذاً مالياً وقدرة على ضخ استثمارات ضخمة داخليًا وخارجيًا، في البنية التحتية، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والصناعات المستقبلية. حيثُ تتراوح حجم الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة لعام 2025 بين 10 تريليونات دولار إلى 14 تريليونات دولار، بينما حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة يتجاوز 770 مليار دولار، وهي قوة مالية تُمكّن دول الخليج من أن تكون محركاً رئيسياً للاستثمار العالمي، وتساهم في توجيه تدفقات رؤوس الأموال، وتؤثر على أسواق التمويل الدولية.