عبدالعزيز صالح الصالح
كلنا يدرك تمام الإدراك أن الدبلوماسية في طبيعتها وفي مضمونها العام تدور حول محور واحد فقط وهو المفاوضة، فإن هذا المضمون لم يتغير فإن التغير هو في الأساليب المتعلقة بالمفاوضة استناداً على ما قاله - أحد مشاهير الدبلوماسية في العالم (جول كامبول) لقد عبر المفكرون والمختصون في العالم في هذا العصر بالذات عن طبيعة الدبلوماسية، على أنها تدور حول شؤون العلاقات ما بين الدول المتعددة ورأوا أن إدارة هذه العلاقات تتخذ مساراً وهدفاً وأشكالاً وصوراً أساسية مهمة - فهي إما أن تكون على صورة توافق، أو صورة اذعان، أو صورة توتر، أو صورة قوة، فالدبلوماسية لا تعيش في فراغ دائماً، وإنما تعيش في أجواء الدول التي تعاصرها.
فإن دبلوماسية عصر الأسلحة الذرية، تختلف عن دبلوماسية عصر الأسلحة التقليدية تماماً، فالعصور دائماً تتغير على مر السنين، كما أن وعي الانسان واطلاعه ومتابعته، تتغير كما تتغير كافة الأنظمة، سواء الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، فلو ركز المرء على النظم السياسية على وجه الخصوص، لوجد أنها تعكس فكر المرء، وتعكس نظرته السياسية إلى نفسه وإلى علاقاته بغيره، فإذا كانت الأفكار السياسية تنعكس على رسم خطة السياسة الخارجية أو استراتيجيتها، فإن هذه الخطة تنعكس بدورها على أساليب تنفيذها أيضاً - وأهم ما يميز هذا النمط الحديث في ابجديات الدبلوماسية، وأساليبها المختلفة، وما أحدثته الثورة الصناعية من تشابك في المصالح، وسعي الدول الأكثر نفوذاً أن تلعب دوراً أكبر، من أجل نيل حصة الأسد.
ولقد تطلبت مفاهيم الثورة الصناعية على دبلوماسيين أكثر لباقة ووعياً، وأكثر صبراً وجلداً، وأقدر على المناورات، وأكثر شعبية، فإن التقدم الصناعي قد عقد العملية الدبلوماسية، وجعل الأمم أكثر حساسية، وأكثر طلباً للنفوذ.
فقد زاد من عملية تضارب المصالح، ولاسيما بين الدول الأكثر نفوذاً، فإن الأسلوب الذي سارت عليه الدبلوماسية في التوفيق بين المصالح، كان أسلوباً يتسم بالمناورات الدبلوماسية وذلك من أجل تحقيق توازن دولي قائم على النفوذ، أكثر منه توازن قائم على التوفيق بين المصالح القومية.
وقد انعكس كل ذلك على التصادم الشديد بين الدول. مما زاد في الطين بلة، مما جعل هذه الفترة فترة دبلوماسية كلاسيكية، فقد أخذت تسير العلاقات الدولية وفق مبادئ متبلورة في القانون الدولي والقانون الدبلوماسي، لقد أخذت هذه الدبلوماسية الجديدة تسير وراء أهداف، وتتخذ في سيرها مساراً لم يكن معروفاً من قبل، لقد توسع نطاق الدبلوماسية وذلك بسبب تغير المفاهيم الدولية أيديولوجياً وتكنولوجياً وعسكرياً، وأصبح العالم الجديد يخضع في تنظيمه إلى كتل دولية متعددة، يجمعها قاسم مشترك ما يعرف بأسلوب الدبلوماسية التعايشية. وبعد هذا وذاك ظهر السلاح الذري وانتشر، مما غير نظرة الدول إلى السلم بدلاً من الحروب، ولعل السر في ذلك يعود إلى الفاعلية التي يمتلكها السلاح الذري والآثار الخطيرة والمدمرة التي يتركها، خلافاً لغيره من أدوات الحروب الماضية.
لقد ترتب على هذا التباين الكبير أن تعيد الدول المتقدمة النظر في علاقاتها الدبلوماسية مع بعضها البعض، فإن الدبلوماسية عادة لا تعمل إلا في الأجواء الهادئة، أو عندما تكون دعائم السلاح قائمة، أو عندما يكون العالم كله في حالة استقرار معنوياً ومادياً، ونفسياً فهذا من جهة ومن الجهة الثانية فإن الخوف من المجهول والخوف من كافة الأخطار والخوف من حالة الانفجار الذري، فكل حالة من الحالات يشوبها التردد فإنها تفتقر إلى حالة الاستقرار الحقيقي، وذلك يوجد قضايا خطيرة متعددة مما جعل الدبلوماسية في حالة حذر وخوف من الفشل، فإن ما يميز الدبلوماسية المتنقلة عن غيرها فهي تقوم على الحركة السريعة والحركة المستمرة بالذات، وذلك من أجل إقناع الأطراف المتنازعة بدون إثارة للحساسية مع استخدام الدبلوماسية الهادئة، فالدول المتقدمة تطلب من دبلوماسييها أن يكونوا مختصين ومتعمقين في عدة مناطق من العالم، فإن عصر الذرة والتقدم العلمي زاد من الأخطار في العالم مما جعل الدول المتقدمة تزداد ترابطاً، وتفاهماً وذلك بسبب الأخطار والخوف والرعب إذن لا نبالغ إذا قلنا إن العالم قد أصبح عالماً واحداً على الرغم من كل شيء.
فإن الدبلوماسية أمام متغيرات عصر الذرة قد تغيرت هي الأخرى في أساليبها فأصبح لها أساليب حديثة تتجاوب مع عصرها الجديد بعيدة كل البعد عن أساليبها التقليدية.