عايض بن خالد المطيري
في زمنٍ أصبحت فيه الشبكات الاجتماعية ساحة الرأي الأولى، تغيّر شكل التأثير وصوت الحقيقة. فالكلمة لم تعد حكرًا على المنابر التقليدية، بل انتقلت إلى فضاءٍ رقمي مفتوح، يصوغ اتجاهات الرأي، ويؤثر في الوعي الجمعي.
لكن هذا التحوّل أفرز ظاهرة تستحق التوقف: فئة من الأفراد بعضهم من المشاهير والمؤثرين نصّبوا أنفسهم ناطقين باسم بعض الوزارات أو نيابة عن بعض المسؤولين، من دون أي صفة نظامية أو تفويض رسمي. يتحدثون وكأنهم متحدثون معتمدون، يبررون القرارات الحكومية، ويهاجمون من ينتقدها، ويقدّمون أنفسهم حراسًا للنوايا وملاكًا للحقيقة، بينما يسهمون من حيث لا يشعرون في خلق فجوةٍ بين الجمهور والمؤسسات الرسمية.
القاعدة الإعلامية واضحة لا لبس فيها: لكل جهة متحدثها الرسمي، ودوره الرد والتوضيح والإبانة للرأي العام. وقد حرصت الجهات الحكومية على تنظيم هذا الدور، وتعيين متحدثين رسميين معتمدين يعبرون عن موقف الجهة في القضايا العامة.
أما حين يتجاوز الأفراد هذا الإطار، ويتحدثون بلسان جهات لا يمثلونها، فإنهم يربكون المشهد، ويشوّشون على الرسائل الرسمية، ويضعفون الثقة في القنوات الإعلامية المعتمدة.
الأخطر من ذلك أن يتحوّل «التبرير المجاني» إلى وسيلةٍ للظهور وجذب المتابعين، فيتعامل بعضهم مع الأزمات كفرصٍ للانتشار، لا كمواقف تتطلب الحكمة والمسؤولية. فيعلّقون بلغة انفعالية، تُلهب الرأي العام بدل أن تُهدّئه، وتحوّل النقاش إلى صدامٍ عاطفي أكثر منه حوارًا موضوعيًا.
إن الخطورة لا تكمن فقط في التطفّل على دور المؤسسات، بل في تضليل الجمهور من حيث لا يُدرى. فحين يسمع المتابع رأيًا يبدو «رسميًا»، قد يظنه الموقف الحقيقي للوزارة أو الجهة المعنية، ومع غياب المرجعية تتضاعف الإشاعات، وتضيع الحقيقة بين الأصوات.
لهذا يصبح ضبط الخطاب العام وتحديد مسؤولية الحديث باسم الجهات الرسمية ضرورة وطنية، وتنظيماً مهماً.
وليس المقصود هنا تقييد حرية الرأي، بل ترشيدها، والتمييز بين النقد الواعي والتبرير المتكلّف، وبين رأي المواطن وبيان الجهة الرسمية. فلكل ميدانٍ أهله، وكل تجاوزٍ لهذه الحدود يضر أكثر مما ينفع.
ومن المهم أن تُصدر الجهات المعنية تعليمات واضحة تُلزم باحترام هذا التخصص، وتمنع التطفّل على دور المتحدثين الرسميين. فحماية الخطاب المؤسسي من الفوضى مسؤولية مشتركة، وصيانة الرأي العام من التضليل واجب وطني، لتظل الكلمة الصادقة هي الجسر الأقوى بين المواطن والمؤسسات الحكومية، لا ساحةً للالتباس والصدام.