اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
يمثل الردع التقليدي آلية من آليات ميزان القوى منذ القدم، إذ يتم استخدامه اعتماداً على وسائل القتال المتوفرة عن طريق إجراء المناورات وإظهار القوة والتهديد باستخدامها عملاً بالمثل الذي يقول: «إذا كنت تريد السلم فكن متأهباً للحرب».
ومع ظهور السلاح النووي تطور مفهوم الردع واكتسب معنى أكثر عمقاً، واتخذ بعداً أصبح معه التهديد صدقاً، وانتشر المفهوم غرباً وشرقاً، كما يشهد على ذلك زمن الحرب الباردة.
ومهما تنوعت أشكال الردع وضاق أو اتسع مجاله فإن أهدافه الأساسية تتمثل في التنازل عن الخيار العسكري لمنع الحروب، حيث إن احتمالية استخدام القوة العسكرية تتضاءل كلما كان الردع فعالا، ويظهر الهدف الآخر في ردع الخصم عن الإقدام على عمل كان ينوي القيام به، كما يهدف الردع إلى المحافظة على الوضع القائم ومنع الطرف المضاد من القيام بأي تغيير.
وترتكز مبادئ الردع على قيام أحد أطرافه بإقناع الطرف الآخر بالبعد عما ينوي القيام به نتيجة للتكاليف والخسائر التي قد يتكبدها إذا هو لم يرتدع، ومصداقية ذلك تتوقف على وجود القدرة على تنفيذ التهديد في حالة عدم الانصياع له من خلال امتلاك القدرة والإرادة.
والردع هو اتخاذ إجراءات مادية ومعنوية من قبل دولة معينة لمنع دولة أخرى من الاعتداء عليها، وهو إرغام دولة ما للتجاوب مع مطالب دولة أخرى عن طريق التهديد باستخدام القوة، وما يترتب على ذلك من التأثير النفسي والمعنوي في الخصم وإقناعه بالاستجابة لمطالب الطرف الرادع.
ويتحقق الردع عندما يتأكد الفارق الكيفي والكمي للعوامل التي تتشكل منها القوة بشقيها المادي والمعنوي بالنسبة لأحد الطرفين، وترجمة ذلك إلى قدرة فعلية لممارسة التأثير الناجح والضغط المؤثر على الطرف المردوع.
وتعتمد نظرية الردع على القوة بمختلف أشكالها وتنوع مجالها، نظراً لأن القوة تعتبر أنجح علاج لمواجهة القوة المقابلة، باعتبارها تشكل الوسيلة الناجحة لكبح جماح الأعداء وتغليب الخيار السلمي المفروض بالقوة على الحل العسكري الذي يعتمد على القوة.
وترتيبا على ذلك فإن نظرية الردع تتمحور حول قيام أحد الأطراف بتهديد الطرف الآخر، محذراً إياه من أنه قد يضطر إلى اللجوء إلى استخدام القوة الرادعة لمنعه من التمادي في تأجيج الصراع وتصعيد الموقف، بهدف التأثير في خياراته ودفعه إلى التنازل عن الخيار العسكري، بوصف الردع وسيلة لمنع الحرب وليس أداة إلى إشعالها.
وفرض الإرادة على الخصم مقرون بالتفوق عليه في القوة الردعية بجميع أشكالها ومختلف أحوالها إذ يستطيع الطرف المتفوق في القوة من إثبات وجوده ودحر خصومه، حيث إن التقصير في هذا المجال يجعل المقصر يحكم على نفسه بالهزيمة بسبب التخلي عن مبدأ الردع وتشجيع القوى المعادية على الاعتداء عليه.
وتأسيسا على ما سبق فإن نجاح استراتيجية الردع يتوقف على ما يمتلكه الطرف الرادع من قدرة فعلية ذات قابلية للتنفيذ الردعي، كما يعتمد ذلك على ما يتمتع به الطرف المردوع من الواقعية نتيجة لما يتوفر لدى الطرفين من قدرات قتالية شبه متماثلة، ويجمع بينهما من علاقة تفاعلية وعقلانية مشتركة تحسب حساب الربح والخسارة.
ويتطلب ذلك من الطرف الذي يقوم بالردع الإعداد والاستعداد للحرب المحتملة، والبقاء في حالة تأهب على المستوى الكيفي والكمي بالشكل الذي يولد قناعة لدى الطرف الآخر بأن تجاهل التهديد وعدم التجاوب مع مفهوم الردع سيؤدى إلى عواقب وخيمة ومتعبة تفوق مكاسبه.
وعلى المستوى التقليدي فإن القوة العسكرية ذات القدرة الردعية في إطارها الشامل وسياقها التقليدي هي القوة المؤهلة لخوض حرب عالية الشدة بفضل ما يتوفر لها من إمكانات بشرية وقدرات قتالية وتكنولوجية وطاقات اقتصادية واجتماعية يستطيع الطرف الذي يمتلكها من القيام بالردع من خلال استعراض القوة والتلويح باستخدامها على النحو الذي يجعل التهديد يفعل مفعوله، والردع يتحقق مدلوله على حساب الطرف المطلوب ردعه حيث يفرض عليه الموقف التفكير في المغنم والمغرم.
والحرب عالية الشدة هي الحرب الشاملة التي تعود إليها خاصية الردع التقليدي وتستخدم فيها جميع موارد الدولة لضمان الانتصار الكامل على الخصم بفضل التفوق عليه بالعدد والعتاد، وكل ما له علاقة بالمجهود الحربي بما في ذلك المناورة الميدانية والسياسية مع الأخذ في الحسبان أن الردع يتطور تبعاً لتطور الأسلحة والتكنولوجيا وتزداد فعاليته في تناسب طردي كلما ظهر سلاحٌ جديد على المستوى التقليدي وصولاً إلى إرهاصات ما فوق التقليدي.
وفي ظل توازن القوى التقليدية يعمل كل طرف من أطراف الردع على المحافظة على هذا التوازن، وكل ما من شأنه إجراء الموازنة بين المخاطر المحتملة والفوائد المتوقعة، الأمر الذي ينسجم مع أهداف الردع عن طريق التوفيق بين استخدام القوة والحيلولة دون استخدامها.
ومطلوب من الطرف الرادع أن يدرك تمام الإدراك أن نظرية الردع تعتمد على الانتصار على الخصم وهزيمته وتدمير قواته وفرض الإرادة عليه، وفي الوقت نفسه فإن الطرف المردوع مطلوب منه أن يقدر الموقف ويتصرف بواقعية وعقلانية مع التحكم في الخيارات والموازنة بين تكاليف الإقدام وفوائد الإحجام.