فضل بن سعد البوعينين
تكتسب القمة الخليجية السادسة والأربعين المنعقدة في مملكة البحرين أهمية بالغة، بسبب التحولات الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. متغيرات دولية متسارعة، وتهديد دائم لأمن واستقرار المنطقة، وتحديات مالية واقتصادية عالمية، تتطلب العمل التكاملي، والتنسيق الدائم، وتوحيد الرؤى، للحد من انعكاساتها الخطرة. اتساع دائرة التحديات الإقليمية والدولية، والمتغيرات الاقتصادية العالمية ستُلقي بظلالها على الملفات المطروحة، وبما يسهم في معالجتها وتحقيق أمن واستقرار وازدهار دول المجلس.
العمل الجماعي، والرؤية الإستراتيجية الموحدة، والتنسيق الدائم من أدوات الحد من المخاطر الدولية، وتحقيق مستهدفات التنمية التي تصبو إليها دول الخليج، ويسعى القادة لتحقيقها. ملفات مهمة مطروحة على طاولة المباحثات، على علاقة بالأمن والاقتصاد والتنمية المستدامة، وهي موضوعات تمس حياة المواطن الخليجي، وأمن وازدهار دول المجلس.
تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني، وتطوير البنية الاقتصادية والتجارية، وتعزيز الأمن والدفاع المشترك، وتوحيد المواقف السياسية والإنسانية، من أولويات القادة، الذين يعملون من أجل دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك وتسريع تنفيذ المشاريع التي تصب في صالح مواطني دول المجلس، وتسهم في تعزيز الترابط والتعاون والتكامل والتنسيق المشترك. غير أن من المهم التعامل مع الملفات المطروحة والقضايا المصيرية، برؤية منفتحة، وآلية عمل متسارعة تضمن تحقيق النتائج المرجوة في فترة زمنية قصيرة. فسرعة التحولات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية، تتطلب تسارعاً في اتخاذ القرارات، وتنفيذ القرارات، وتنسيق الجهود، وتفعيل الاتفاقيات، ووضع البرامج العملية لتحقيق المستهدفات.
التنمية المستدامة، والتحول الرقمي، واقتصاد المعرفة من القضايا المُلِحَّة التي تحتاج لكثير من البحث والدراسة والبرامج الكفيلة بتحقيق متطلباتها. ومع إطلاق الرؤى التنموية في جميع دول الخليج، بات من المهم التعامل معها وفق رؤية موحدة، وبوتيرة متسارعة، لتحقيق الأهداف الإستراتيجية المتوافقة مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، وعمليات التطوير الدولية.
أمن الخليج، كُلٌّ لا يتجزأ، وأحسب أنه من الملفات الرئيسة التي يفترض التعامل معها برؤية أمنية شاملة تضمن أمن واستقرار دول المجلس. تحقيق الأمن الشامل يتطلب الكثير من التنسيق والجهود التشاركية والتكاملية حيال قضايا المنطقة، وفق رؤية إستراتيجية موحدة، تحد من المخاطر المستقبلية، وتعالج مكامن الخطر الحالية. اختلاف وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية قد ينعكس سلباً على أمن جميع دول المجلس، وما قد يراه البعض هدفاً استراتيجياً له اليوم، ربما تحول إلى خطر يهدد أمنه وأمن الدول الخليجية الأخرى مستقبلاً، ما يستوجب التبصر بمآلات الأمور، ومخاطر استهداف استقرار المنطقة بالنزاعات العسكرية الموجهة من الخارج، والعمل على توحيد الرؤى والجهود المشتركة لحماية المنطقة، وتحقيق الأمن الشامل لدول المجلس والمنطقة عموماً. لا مجال للاجتهادات الانعزالية، مع وجود مجلس التعاون الذي يفترض أن يكون له الدور الأهم في تحديد التحديات الأمنية والجيوسياسية والتعامل معها وفق المصلحة الخليجية العليا.
وفي الجانب الاقتصادي، أؤمن بإدراك قادة دول المجلس أهمية الابتكار والتكنولوجيا في بناء اقتصاد مستدام ومتنوع، يعتمد على المعرفة. وهو ما يسعى القادة لتحقيقه من خلال برامج ورؤى محددة الأهداف، فالارتباط بالاقتصادات التقليدية، والاعتماد على النفط والغاز، من التحديات المستقبلية التي تحتاج للمعالجة.
الأمن المائي والغذائي، من أهم الملفات التي سيتم بحثها بعمق وروية، فدول الخليج في حاجة ماسة لتحقيق أمنها الإستراتيجي، الذي يعتبر الأمن المائي والغذائي، من أهم متطلباته. للمملكة العربية السعودية، تجربة مهمة في تعزيز أمنها المائي والغذائي، وهي تجربة تستحق أن تستنسخ في جميع الدول الأعضاء، وأن تكون بشكل تكاملي ما يسهم في توحيد الجهود، ونقل الخبرات والمعرفة، وخفض التكاليف ويعزز المخرجات ويحقق الأمن الإستراتيجي الشامل. تطوير سياسات خليجية مشتركة، وبرامج تكاملية، ودعم شركات الغذاء الخليجية وتوسيع الاستثمارات الخليجية الزراعية في دول المجلس، وفي الدول الصديقة التي تتمتع بوفرة المياه، وجودة الأراضي الزراعية من الأدوات المهمة لتحقيق هدف الأمن الغذائي الخليجي. التهديد الدائم لخطوط الملاحة البحرية، والتحديات الجيوسياسية العالمية، ستنعكس لا محالة على الأمن الغذائي الذي تشكل السلع والمواد المستوردة النسبة الأكبر منه، لذا فمن المهم التعامل الدقيق مع المخاطر المهددة لسلاسل الإمداد، وهي مخاطر متجددة بسبب التحديات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، وتؤثر سلبا على أمن الملاحة البحرية، وبالتالي أمن الخليج، واستقرار اقتصادات دوله.
وحدة الصف الخليجي، والتنسيق والتعاون المشترك هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وتعزيز مسيرة التكامل الاقتصادي والسياسي، وبناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا للشعوب الخليجية.