إيمان حمود الشمري
تُعتبر الحرفة أحد أهم الجذور التي تتمسك بها الدولة كتاريخ وإرث ثقافي يعزز الهوية الوطنية، وارتبطت الحرفة بكونها دلالة على وجود الإنسان، فمكان فيه حرفة يعني وجود حياة، لأنها نشأت معه كأحد احتياجاته ووسيلة لاستمرار حياته اليومية، ولا يخفى علينا أن الله خص بعض الأنبياء بحرف معينة: كصناعة الدروع والنجارة والبناء والخياطة، كتكريم لهم، ودلالة على شرف الحرفة، مما يدل على فضلها وعلو مكانتها، كمهارة يتعلمها الإنسان ويعلمها للغير ويكسب منها رزقه، كقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} وهي حرفة صناعة الدروع الحديدية التي تحمي الناس في الحروب.
سرني أن أجد هذا الاهتمام بالحرف من «هيئة التراث» برعاية وزير الثقافة صاحب السمو الأمير بدر الفرحان، التي سلطت الضوء على أهمية ومكانة الحرف، وخصصت لها معرضاً كاملاً للعام الثالث على التوالي، يشجع الحرف اليدوية، ويؤكد على حضورها برغم زحف وسيطرة التكنولجيا، حيث زرت معرض بنان 2025 الذي أقيم هذا العام في الفناء الخارجي لجامعة الأميرة نورة، بمشاركة أكثر من 40 دولة، ضمت أكثر من 200 حرفي محلي، إضافة إلى أكثر من 20 شريكا، وحلت جمهورية الصين الشعبية كضيف شرف لهذه النسخة.
تجولت بين أركان المعرض، وانبهرت بالمعروضات التي تنوعت بين صناعات القش والسدو لفنانين وفنانات سعوديات، إضافة لصناعة الصابون واللوحات الفنية المصنوعة من الخشب، تحمل بوابات نجدية وحجازية بعمل إبداعي متقن، لم يكن ليبرز لولا أن أتيحت له مثل هذه الفرصة، حيث قدم المشاركون والمشاركات من مختلف مناطق المملكة، يحملون حرفهم ومعروضاتهم التي تعكس ثقافة السعودية بمختلف تفاصيلها وبتنوعها الثري.
حضور جماهيري لافت تخلله عروض راقصة بفرق تتجول بين الجماهير، كان ختامها آخر يوم رقصة السامري، وعروض راقصة للثقافة الصينية بزي التنين الذي أعادني لذكريات الصين، وشعرت وأنا أشاهدهم أنني أتجول في أحد شوارع بكين.. مزيج من الثقافات يجتمع على أرض الرياض، يستقطب جميع الفئات والجنسيات والأعمار ويوحد فكرتهم في أن من لا ماضي له فلا حاضر له أيضاً، فمثل تلك الفعاليات تلفت انتباه الجيل الجديد لأهمية ومكانة الحرف كماضي عريق يستدعي الفخر والاحتفاء، ويحافظ على التراث من الاندثار، ويعتبر بوابة تستقطب السواح، ويواكب رؤية 2030 التي تسعى لدعم الاقتصاد الوطني، والارتقاء بالقطاع الثقافي، وتمكينه على المستويين المحلي والدولي».