د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اختتمت قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا في 23/1/2025 وهي اول قمة تعقد في أفريقيا تحت عنوان مستقبل عادل ومنصف لجميع المعادن الحيوية: العمل اللائق، الذكاء الاصطناعي، اشتملت مناقشات قادة المجموعة على 3 محاور رئيسية النمو، والاقتصاد المستدام، والتكيف مع التغير المناخي، وكانت أبرز أولويات القمة معالجة أزمة الديون المتفاقمة في الدول منخفضة الدخل، وتأمين تمويل يحقق انتقالا عادلا للطاقة، تسخير المعادن الأساسية كمحرك للنمو والتنمية في إفريقيا.
وسط غياب الولايات المتحدة التي ستتولى رئاسة المجموعة بعد جوهانسبرغ، وهو اول غياب منذ انطلاق المجموعة عام 2008، بحجة أن أولوياتها تتعارض مع جدول الأعمال، التي تمنح أولوية لقضايا العالم النامي، وترفض إصدار بيان ختامي توافقي دون موافقتها، قد يفضي الموقف الأمريكي إلى تقويض نفوذ واشنطن في مجموعة العشرين، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي لاستثمار الفراغ بتعزيز حضوره كبديل موثوق وتوسيع شراكاته التجارية، رغم ذلك خرج بيان القمة بالتأكيد على الالتزام المتجدد بالتعاون متعدد الأطراف، تناول قضايا عالمية ملحة، مثل أزمة المناخ التي تعترض عليها واشنطن، التزمت القمة بالتأكيد على الأهداف المشتركة لزعماء العالم تتجاوز خلافاتهم.
حظي إعلان القمة الختامي بدعم الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان وكندا، ومعارضة الأرجنتين، التي اعترضت على طريقة تناول بعض القضايا الجيوسياسية، خصوصا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كذلك سعى القادة الأوربيون إلى تنسيق ردهم على خطة اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لوضع حد للحرب في أوكرانيا بشروط راوا أنها تصب في مصلحة روسيا، لكن ذلك لم يمنع اعتماد الإعلان، وباعتبار ان القمة لأول مرة تعقد في أفريقيا استخدم الرئيس في جنوب أفريقيا رامافوزا بلاده لوضع أولويات أفريقيا والجنوب العالمي في قلب أجندة مجموعة العشرين، إلى جانب الاهتمام الدولي بالقضايا التي تمس الدول الفقيرة، مثل الحاجة إلى دعم مالي لجهود التعافي من الكوارث المناخية.
إعلان مجموعة العشرين الختامي في جنوب أفريقيا، الذي شمل قضايا المناخ والطاقة والديون والمعادن الاستراتيجية، رغم أنها غير ملزمة لكنها انتصرت للتعاون الدولي في مواجهة السياسات الحمائية، خصوصا وأن مجموعة العشرين تأسست ردا على الأزمة المالية الآسيوية تضم 19 اقتصادا غنيا وناشئا إضافة إلى الاتحادين الأوروبي والأفريقي، تمثل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وثلثي سكان العالم، وإن كان فاعلية القمة مع الأزمات الدولية موضع تساؤل.
اكدت السعودية التزامها بمواصلة العمل مع دول مجموعة العشرين لتعزيز منظومة اقتصادية أكثر شمولا وعدلا واستدامة، تقوم على التعاون والابتكار وتكافؤ الفرص، بما يسهم في تحقيق الازدهار المشترك وحماية مستقبل الأجيال القامة، ويحقق التوازن بين التنمية وحماية البيئة، في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحول متسارع نحو الاقتصاد الأخضر والتقنيات النظيفة.
أقر الرئيس الفرنسي ماكرون بالصعوبة التي تواجهها المجموعة في الوصول إلى معيار مشترك بشأن المشهد الجيوسياسي، سواء تعلق بالقانون الإنساني أو سيادة الشعوب أو الكرامة الإنسانية، فيما شدد رئيس المجلس الأوروبي انتونيو كوستا على أن التعددية هي الدفاع الأفضل ضد الاضطرابات والفوضى، فيما انتقد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ انتشار الأحادية والحماية التجارية، متسائلا عما آل إليه التضامن العالمي.
حاول رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا التقليل من غياب ترمب ومن تلك المخاوف بأن تبقى مجموعة العشرين منصة أساسية للتعاون الدولي، وتبرز أهمية التعددية والتحديات التي تواجهها لا يمكن التعامل معها إلا عبر التعاون والشراكة.
انعقدت القمة وسط توترات عالمية بسبب حرب روسيا في أوكرانيا والمفاوضات المناخية الشائكة في البرازيل، واكد وزير خارجية جنوب أفريقيا رونالد لامولا ان مجموعة العشرين ليست عن الولايات المتحدة نحن جميعا أعضاء متساوون، ومن جانبها حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من تسليح التبعية في إشارة إلى قيود الصين على صادرات المعادن النادرة، فيما دعا رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ إلى الوحدة داخل المجموعة، مؤكدا أن الخلافات في المصالح ونقص التعاون العالمي يشكلان عقبات أمام التضامن الدولي.
أكد القادة انهم سيسعون إلى حماية سلسلة القيمة لإمدادات المعادن الحيوية من التوترات الجيوسياسية، وضمان ان تكون سلسلة القيمة للمعادن الحيوية أكثر قدرة على تحمل الاضطرابات، سواء كانت ناجمة عن توترات جيوسياسية أو تدابير تجارية أحادية لا تتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
غياب الولايات المتحدة أدى إلى خفض تمثيل دول وازنة أخرى، في وقت مثل لي تشيانغ الصين بدلا من الرئيس الصيني شي جينبينغ وأرسل الكرملين المسؤول ماكسيم اورشكين بدلا من الرئيس الروسي فلاديمير بويتن، لكن شارك في القمة رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي والرئيسان البرازيلي لولا دا سيلفا والتركي رجب طيب أردوغان، في المقابل تستعد الولايات المتحدة لاستضافة قمة مجموعة ال20 المقبلة عام 2026 في ناد للغولف يملكه ترمب بولاية فلوريدا.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا