سلمان بن محمد العُمري
أحد الدعاة السابقين أحدث جدلاً واسعاً وضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تصريحه عن الموت ورد فعل أهل وأصدقاء وأقرباء المتوفى، ومما قاله نصاً: (لا تصدق أن أهلك وأقاربك متعلقون بك.. صدقني بيضربون بالمفطح في يوم وفاتك.. وسيكون أكبر همهم وجود الشطة من عدمه.. وستستمر الحياة بدونك.. فتغافل ولا تتعب نفسك". وتبعه مستشار نفسي له (طلعات) و(طوام) كثيرة وأصبحت كالحوليات السنوية لازمة له، حيث قال إن "نقصان درجة في الامتحان قد تهزني أكثر من وفاة أمي وأبي". ماتت أمي الخميس وفي نفس اليوم داومت، ومات أبي وفي اليوم التالي اشتريت أرضاً، هذا التصريح، الذي أدلى به خلال مقابلة تلفزيونية حول الصدمات النفسية.
وكأن المتحدثين يريدان منا جميعاً أن نتجرد من المشاعر الإنسانية الفطرية التي لا يتصف بها الإنسان فقط بل إنها متوافرة عند الحيوان، ويريدون منا أن نكون كالجماد والآلة بلا أحاسيس ولا مشاعر.
الأول يريد من الأب أن يعيش حياته ولا يلتفت لأبنائه والآخر يريد من الابن ألا يحزن على فقد والديه، فدرجة في الامتحان أهم عنده من فقد أحد والديه!!!
نحن في زمنٍ عجيب وصدق الشاعر العربي حين قال:
فالليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبة
إن ديننا الإسلامي العظيم لم يقتصر على أحكام العبادات والمعاملات، بل غاص في أعماق النفس البشرية، مؤكداً أهمية المشاعر الإنسانية كجزء لا يتجزأ من ديننا، ولقد وضع الإسلام لنا قواعد ومبادئ عظيمة لرعاية مشاعر الآخرين، وجعلها عبادة نتقرب بها إلى الله.
إن الرحمة والإنسانية من أعظم صفات الإنسان، ومن يفقدها فقد فقد جزءاً من إنسانيته، وتبلد المشاعر وافتقار البعض للإنسانية قد يكون ناتجاً عن تجارب قاسية أو (صدمات)، فبعض الأشخاص يمرون بمواقف مؤلمة تدفعهم لتبلد المشاعر، وكذلك الأنانية أو التمركز حول الذات، فعدم الاهتمام بمعاناة الآخرين لانشغال الشخص بنفسه فقط.
إن الإسلام دين التعاطف، فالمسلم يشعر بآلام إخوانه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ يألَمُ المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسدُ لِما في الرأس". (رواه الإمام أحمد)، فما بال هؤلاء يريدون أن نتمحور حول ذاتنا فقط ونتجرد من إنسانيتنا مع آبائنا ومع أبنائنا، وإذا كانا يريدان منا التجرد من المشاعر الإنسانية مع أقرب الناس لنا، فكيف ستكون مشاعرنا تجاه الآخرين؟!!
إن من آكد حقوق الأُخُوَّة بين المسلمين وأَولَاها أن يحمل بعضهم همَّ بعضٍ، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، خاصة إذا حلَّت بمسلم نازلةٌ من نوازل الدهر، أو نائبة من نوائب الزمان، فديننا الإسلامي يحثنا على الوحدة الشعورية بين المسلمين، وهي مِنْحَةٌ قُدْسِيَّة، ومنحة إلهية يقذِفها الله تعالى في قلوب المخلصين من عباده، وهي قوة إيمانية نفسية تُورِثُ الشعور العميق بالمحبة والعاطفة، والاحترام والثقة المتبادلة بينهم، وتُورِث أخلصَ المشاعر الصادقة باتخاذ مواقف إيجابية من محبة وإيثار، ورحمة وعفوٍ، وتعاون وتكافل، وإحساس وابتعاد عن كل ما يضر في أنفسهم وأموالهم، وأعراضهم وكرامتهم؛ ولذلك جاء الإسلام ليُثبِّتَ هذه المعاني؛ فعن ابن عباس قال: سمعت النبي - صلى لله عليه وسلم - يقول: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع))، فمراعاة المشاعر منهج شرعي واجتماعي يحتاج إليه كل أفراد المجتمع، بداية من رب الأسرة مع أولاده وأهل بيته، والمسئول مع موظفيه وعماله، وكل منا مع من يتعامل معهم في حياته حتى يعم الحب والتعاون وتزداد روابط الألفة، ويرتفع شأن الوطن الحبيب.