د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الهاتف النقال أو ما يسمى الجوال، جهاز متعدد المنافع، والجميع يدرك ذلك، والحديث عن منافعه حديث عن معلومة، وكلنا يعرف أنه خليط من الحديد والزجاج والبلاستك والنحاس والليثيوم والألمنيوم، وغيرها، وقد لا يتجاوز وزن بعضها سبعمائة جرام، وسعر المواد الداخلة في صناعته منفردة لا يتجاوز خمسين ريال، بينما يتم بيع بعض أنواعه بما يزيد عن ستة آلاف ريال، بعد تصنيعه بطريقة تسمح لك بالإستفادة من منافعه، طبقاً لإرادتك، فهو لا يفرض على الإنسان شيئاً، لكن الإنسان وبإرادته يحمل عليه تطبيقات مفيدة مثل الكتب أو ما يخدمه في قراءة كتاب أو البحث عن معلومة مفيدة، وهذا حسن ومستحب، لكن الأغلب قد يضيف تطبيقات سراق الوقت، مثل تيك توك، وإكس أو الإنستجرام، فيقع في شراك يصعب عليه الفكاك منه، ثم يزداد به حباً فيكاد لا يفارقه ليلاً أو نهاراً، ويستصبح به، ويجاوره في المنام، وان كان متزوجاً فعلت زوجته مثله، فيقع في هذا الإدمان شيئاً فشيئاً إن حق لنا هذا الوصف.
وبعد أن يتملك إرادة الإنسان، ينتزع منه وقته، وليس وقتاً محدداً وحسب، كما هي حال مشاهدة المباريات، أو إرسال الرسائل والرد عليها، لكن هذا السارق المتمكن يسرق جل وقت الإنسان في مجلسه مع عائلته، أو مع أصحابه، أو على مائدته، أو في فراشه، أو في السوق، أو في المكتب، أو في مكان العمل، أو في السيارة، أو في الطائرة، أو عند قضاء الحاجة أجلكم الله، ولو تم الإطلاع على هواتف البعض لوجدنا ان عدد الساعات المستخدمة تزيد عن عشر ساعات في اليوم، أي أن عمر الإنسان قد سرقه هذا الجهاز، سواء كان ذلك مفيداً أو غير مفيد، ويبدو أن الأمر يصعب الفكاك منه بعد دخول الذكاء الإصطناعي، وبعض التطبيقات القادمة التي لا نعلمها.
الوقت هو الحياة، وهو الوجود، فإذا صرفه الإنسان في ما يفيده في دنياه وآخرته فقد فاز، وان كان غير ذلك فهو أدرى بنفسه، وبوقته كيف يقضيه، وكأنه يقول: وأغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان، لكن تلك اللذات قد يقضيها في ما هو مفيد، تماماً كما يرى أنه ينالها من مثل تلك التطبيقات المضيعة للوقت دون فائدة، يقول المتنبي:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
واذا أردت التأكد من تمكن هذا الجهاز من عقول البشر، فاطلب من عائلتك أو أصدقائك ترك الجهاز جانبا لمدة ساعة، فستجد الكثير غير قادر على ذلك.
يقول أحمد شوقي:
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
ويقول عمر الخيام:
واغنم من الحاضرِ لَذَّاتهِ
فإنما الأيامُ مثلُ السّحاب
حقا إنما الأيام مثل السحاب، ولذة الحاضر هو العمل المفيد، والمشاركة في بناء المجتمع والاقتصاد، ونشر الوعي والثقافة، أما التطبيقات غير المفيدة توفر فيما توفر إطلالة على ما يعيشه الآخرون، وقد يدفع ذلك بالبعض إلى مشاكل عائلية، دون تحفيز على بناء الذات، بل ربما تؤدي إلى بعض الأمراض النفسية، والأسوأ من ذلك كله تسليم العقل للآخرين ليجعلوا منك رجلاً من صنعهم، وليس من صنعك أنت، بسبب عزوفك عن القراءة والتفكير وتمحيص الغث من السمين.