هادي بن شرجاب المحامض
أنت أمام واقع رقمي يتجاوز فكرة النقاش والاختلاف. ما تراه في المنصات لم يعد مجرد آراء فردية. أنت أمام مصانع كاملة تنتج حسابات وهمية تعمل على تشويه صورة السعودية، وإثارة الفتنة، وصناعة موجات جدل مختلقة.
خلال الشهر الماضي ضبطت الشرطة الأوروبية مزرعة واحدة في لاتفيا تدير 49 مليون حساب. كل جهاز يحمل عشرات الشرائح. كل شريحة تدير مئات الحسابات. أعداد قادرة على تحويل أي كذبة إلى «قضية رأي عام».
مؤخراً أعلنت منصة X خاصية إظهار موقع أصحاب الحسابات. الخاصية كشفت حجم التلاعب. ظهرت مواقع حسابات معادية للمملكة من دول بعيدة لا علاقة لها بسعوديين ولا بمجتمعنا. حسابات تضع أسماء سعودية وصوراً سعودية وتكتب باللهجة المحلية بينما موقعها الحقيقي خارج حدود الوطن.
هذه الخاصية لم تفضح الحسابات فقط. بل كشفت مستوى التوظيف السياسي لمنصات التواصل لاستهداف السعودية وقيادتها. أنت ترى هجوماً منظماً يبدأ من عشرات الدول، يتنقل بين قضايا مختلفة، ويستخدم آلاف الحسابات المتناسخة التي تعمل لهدف واحد: بث الفرقة والشك وتشويه المنجز الوطني.
من السهل أن تظن أن النقاش طبيعي. التعليقات كثيرة. الأسماء سعودية. اللهجات قريبة. لكن كل ذلك صناعة آلية. أنت تتعامل مع منظومات وليس أشخاصاً. وهذا ما يجعل معركة الوعي اليوم أخطر من أي وقت مضى.
أنت تعيش في بلد تُبنى فيه مشاريع ضخمة، واقتصاد ينهض بسرعة، وقيادة تعمل بإيقاع مختلف. هذا الواقع لا يعجب أطرافاً كثيرة؛ لذلك يتحركون عبر المنصات. يحاولون خلق رأي مضاد. يشعلون خلافات. يضخّون محتوى يستهدف الثقة بين المواطن وقيادته.
أنت تحتاج إلى يقظة أعلى.
تسأل قبل أن تتفاعل: هل هذا حساب حقيقي أم أداة؟
تركّز على ما يفيدك وما يبني وعيك.
تفهم أن بعض النقاشات صُممت لتضيع وقتك وتشوش بصيرتك.
التقنية اليوم لا تكشف فقط ما وراء هذه الحسابات. التقنية تعطينا فرصة لنرى حجم الاستهداف. أنت أمام حرب معلومات لا تستخدم السلاح بل تستخدم التعليق والصورة والوسم. وعيك هو الخط الفاصل.
في بلد يقوده رجال يصنعون المستقبل، يصبح الدفاع عن الوعي مسؤولية كل مواطن. أنت لا تحتاج إلى صراخ أو جدال. تحتاج فقط إلى أن ترى بوضوح. وفي عالم تتكاثر فيه الحسابات المصنوعة، يصبح إدراكك هو السلاح الأقوى.