محمد الخيبري
منطقة القصيم، التي طالما كانت مهدًا لنجوم الكرة السعودية وتخريج المواهب، تحتضن بين جنباتها ناديًا عريقًا يقطن في المدينة الثانية جغرافياً بالمنطقة وهي مدينة «عنيزة» ويحمل اسمًا على مسمى؛ نادي النجمة.
هذا النادي، الذي تأسس عام 1960م، ليس مجرد فريق كرة قدم، بل هو جزء أصيل من الذاكرة الرياضية للمنطقة، وصاحب إرث تاريخي مشرف ومميز، أثرى الساحة الكروية السعودية بلمساته وإنجازاته.
لا يمكن الحديث عن النجمة دون استحضار أسماء لامعة نقشت اسمها بأحرف من ذهب في سجلات النادي والكرة السعودية، النجمة هو رافد النجوم الذي ضم في صفوفه كوكبة من اللاعبين المميزين الذين سطروا فصولاً مجيدة، يبرز من بينهم القائد سليمان الحديثي هداف الدوري السعودي عام 1998م، والموهبة الفذة منصور الموسى الذي شارك مع المنتخب الوطني للناشئين وحقق بطولة كأس العالم عام 1989م ومثل المنتخب الوطني الأول في مونديال كأس العالم 1994م، والنجم الراحل مشعل التركي (رحمه الله)، والمدافع الصلب محمد الحبيب والرئيس الحالي محمد المنيف، والرمز عبدالله المهنا (رحمه الله).
هؤلاء وغيرهم، هم من أسسوا مجد النجمة ورفعوا رايته، جاعلين إياه منافسًا قويًا له وزنه وثقله.. بعد غياب طويل ومؤلم امتد منذ الهبوط في موسم 2003م، عاد النجم ليسطع من جديد.. لقد كانت لحظات الصعود التاريخية هذا الموسم إلى مصاف أندية دوري روشن السعودي للمحترفين بمثابة تتويج لجهد سنوات طويلة وحلم انتظره الأجيال.
كانت القصيم بأسرها تحتفل بعودة ممثلها العريق، والأمال تعانق السماء بتحقيق انطلاقة قوية تليق بتاريخ النادي وقاعدة جماهيره الوفية.. لتحويل حلم البقاء والمنافسة إلى حقيقة، أدركت إدارة النجمة حجم التحدي في دوري المحترفين.
بدأت الاستعدادات بشكل ضخم، وتمت الاستعانة بالمدير الفني البرتغالي المخضرم، السيد ماريو سيلفا، لقيادة الدفة الفنية. خاض الفريق سلسلة من المباريات الودية الاستعدادية المكثفة، التي هدفت إلى بناء توليفة قوية ومتجانسة، وتعزيز اللياقة البدنية والجاهزية التكتيكية لمواجهة عمالقة الدوري.
هذه الاستعدادات الضخمة عكست جديّة النادي في تثبيت أقدامه في دوري الأضواء، وبعثت رسائل تحفيزية قوية للجماهير بأن النجمة قادم بقوة هذا الموسم، لكن رياح الواقع لم تجرِ بما تشتهيه سفن النجمة ولا آمال محبيه ومتابعيه.
مع انطلاق عجلة دوري روشن، اصطدمت طموحات الصعود بواقع المنافسة الشرسة بعد خوض الجولات الافتتاحية، وجد عشاق النجمة أنفسهم أمام حصيلة لا تليق بحجم الاستعدادات والأحلام المعقودة؛ نقطة واحدة فقط!
هذه النقطة اليتيمة جاءت بعد التعادل السلبي خارج الديار أمام فريق ضمك.. وبالرغم من أن التعادل خارج الأرض يُعد إنجازًا في بعض الظروف، إلا أن المردود العام والتحديات القادمة ألقت بظلال من القلق على مسيرة الفريق. خيبة الأمل لم تكن بسبب الخسائر في حد ذاتها، بل بسبب الترقب الكبير الذي سبق الموسم، والشعور بأن الفريق لم يقدم حتى الآن المستوى المأمول الذي يوازي حجم التضحيات والجهود الإدارية والفنية.
النجمة الآن يقف على مفترق طرق حاسم. الإرث والتاريخ وحدهما لا يكفيان لتحقيق البقاء في دوري المحترفين. التحدي الآن يقع على عاتق الجميع؛ من الإدارة الداعمة، إلى المدرب ماريو سيلفا الذي يجب عليه إيجاد حلول سريعة لترجمة جهد الاستعداد إلى نتائج على أرض الملعب، وصولاً إلى اللاعبين الذين يجب عليهم استحضار روح النجمة التاريخية والقتالية. هنا يكمن بصيص الأمل: النقطة التي حملتها الجولة التاسعة من الدوري.
قد تكون هذه النقطة، التي أتت قبل فترة التوقف النموذجية، محفزًا قويًا لعودة الفريق. فترة التوقف هذه هي فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس والمراجعة الدقيقة لجميع الجوانب الفنية والتكتيكية على الرغم من الصعوبة البالغة التي سيواجهها الفريق والذي سيصطدم بالمتصدر «النصر» الذي حقق النقاط الكاملة خلال الجولات التسعة والفريق الأكثر نجاعة وشراسة بالدوري والذي لم يعرف طعم التعادل والخسارة خلال الجولات الماضية.
المتابع النجماوي يتطلع بشغف أن تكون هذه النقطة بمثابة «اللقاح» الذي يعيد شحن طاقات الفريق ويزرع ثقة الفوز، ضامنًا للنجمة البقاء مع الكبار لموسم آخر، بل لمواسم أخرى قادمة، تليق بتاريخه وإرثه.
جماهير القصيم تدرك أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وأن دوري المحترفين ماراثون وليس سباق سرعة.
لكنهم ينتظرون ردة فعل قوية ومستحقة. عودة النجمة إلى دوري روشن كانت انتصارًا، لكن تثبيت الوجود هو المعركة الحقيقية.
على نجوم الفريق الحاليين أن يتذكروا تاريخ من سبقوهم؛ الحديثي والموسى والتركي والدبيبي والمهنا. عليهم أن يلعبوا بروحهم وإصرارهم، وأن يثبتوا أن هذا الصعود لم يكن مجرد ومضة عابرة، بل هو عودة دائمة لمكانة النجمة المستحقة بين كبار أندية الوطن.
النجمة يستحق أن يسطع، وعلى العائدين أن يثبتوا أنهم أهلٌ للمجد مجددًا، ونقطة ضمك قد تكون شرارة الانطلاق الحقيقية.