رمضان جريدي العنزي
في زمنٍ تتقاطع فيه الأفعال، وتتنافس فيه الإرادات، يصبح الرجل رجلاً، لا باللبس واللقب والزي والتكلف والمظهر، بل بالفعل الذي يأبى الانكسار، وبالعمل الذي لا يقبل الإلتواء، وبالإرادة الصلبة التي تتجاوز حدود المألوف ليصنع لنفسه مكانة حقيقية تليق به ويليق بها، الرجل الحقيقي له طموحٍ لا يعرف السكون، في حضوره هيبة، وفي حديثه صدق ووضوح، وفي عمله إخلاص وأمانة.
إن الرجل ليس بهندامه، وفلسفته وتنظيره وحذلقة لسانه، ولا بلون بشته، فالبشت ليس رمزاً لروحٍ تعشق الفعل والعمل، ولا بكثرت المحتفين به، والداعين له، ورافعي صوت الإطراء والإشادة والمديح، بحناجر واهنة، وأصوات مبحوحة، فليس دليلاً على صدق نواياههم معه، وأنما شغفاً وحباً بالتصوير والظهور وإستغلالاً للفرص.
إن الرجل الذي لا يجمع بين الفعل والحضور، وبين الفكر والمظهر، وخدمة الوطن، والحرص على أمنه، والذود عن حياضة وحدوده، في أي زمان ومكان ولحظة، وقاعة وموقع ومنبر، يشبه النص المفقود، والخرابة العتيقة، والماء الآسن، صوت الغراب، ونقيق الضفادع.
إن الرجل ليس من يتزيّن بالمظاهر، أو يتباهى بالألقاب، ولا بذاك الذي يعيش الإزدواجية في الانتماء والولاء، بل من يثبت وجوده في ميدان الفعل الوطني والاجتماعي، ويبني إرثه بعرق الجهد والكفاح، ولا يكتفي بلبس البشت، وتلبية الدعوات، وحضور موائد الطعام.
إن المظاهر الزائفة، ومهرجانات البذخ والنفاق والدروشة والقصيد، كأنها سراب يحسبه الظمآن ماء، فإذا اقترب منه وجده مجموعة حصى، وحفنة رمل وتراب، إن المظاهر الزائفةً تذهب مع الغبار، والألقاب تُنسى مع الزمن، أما الإنجاز الحقيقي، فيبقى شاهداً أبدياً، إن الأعمال والأفعال الحقيقية الوطنية والاجتماعية هي من تثبت وجود الرجل، ليس كصورة في مرآة، أو شيلة باهتة في تكتوك، أو إطراء كاذب في سناب، أو مدح واهن في منصة إكس، بل كنقش في صخر الفعل، وميدان العمل، لا ميدان المنصات والفلاتر، هكذا هو الرجل، ليس من يُرى، بل من يُذكر حين تُطفأ الأنوار، وليس من يُكتب عنه، بل من تُكتب به الأيام، إن الرجل الحقيقي هو رجل القول والفعل، لا رجل الافتراض، والمصلحة الذاتية، والمنفعة الشخصية، والمواقف المتذبذبة، والحالات المتأرجحة، الذي يبيع ضميره بثمن بخس، وانتماءه بدراهم معدودة، ويغير مواقفه ومبادئه وقيمه في سوق البيع والشراء.
وخلاصة الكلام: الرجل لا يذكر بكلامه وشكله ولونه وردائه وبشته الموروث الذي يحمله فوق كتفه أينما حل وأرتحل، بل بفعله القويم، وآثاره الخالدة، وانتمائه للوطن حقيقةً ووجوداً وعاطفة وفكراً وسلوكاً وجسداً ولغة ودماً ودفاعاَ وتضحية وفداء.