رسيني الرسيني
في مشهد يليق برفعة المملكة، حظي سموه الكريم باستقبال مهيب من الحكومة الأمريكية، أصبح حديث وسائل الإعلام والمختصين.
هذا الاستقبال لم يكن مجرد مراسم استقبال رفيع المستوى، بل تجسيد لعلاقات تمتد لأكثر من تسعة عقود بين الرياض وواشنطن، في علاقة تعاون مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح العميقة؛ فالتعامل مع الولايات المتحدة كقوة سياسية واقتصادية يُعد بُعدًا إستراتيجيًا للمملكة، وكذلك تعامل أمريكا مع القوة السعودية في السياسة والاقتصاد، لما تمثله المملكة من مكانة عالية في قلب الدبلوماسية الدولية. إنه لقاء يعبّر عن إرادة مشتركة لتعزيز الشراكة وجسر الفُرص، فكيف نقرأ نتائج الزيارة التاريخية، من الناحية الاقتصادية؟
بعيدًا عن البعد السياسي المهم الذي تمثل بتوقيع اتفاقية دفاع إستراتيجي تُجدد التحالف التاريخي بين العاصمتين، فقد تم خلال هذه الزيارة التاريخية، توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين القطاع الخاص في البلدين، بقيمة تقارب 270 مليار دولار، واتفاقيات أخرى في مجال الطاقة، إذ أُعلن عن اكتمال المفاوضات للتعاون في الطاقة النووية المدنية، إلى جانب تأمين سلاسل إمداد اليورانيوم والمعادن النادرة.
علاوة على ذلك، اتفاق إطار عمل لتسهيل وتسريع إجراءات الاستثمارات السعودية وترتيبات للشراكة المالية والاقتصادية، واتفاقيات تتعلق بالتعاون في الأسواق المالية، والاعتراف المتبادل بالمواصفات الفيدرالية الأمريكية لسلامة المركبات. كما وُقّعت مذكرة تفاهما في قطاع التعليم والتدريب، بما يعكس الأفق الواسع للطموحات المشتركة.
أما في مجال التكنولوجيا والرقمنة، ووسط فترة يسودها السباق العالمي على الرقائق الإلكترونية، أعلن الطرفان عن شراكة إستراتيجية في الذكاء الاصطناعي، تزامنًا مع إطلاق مشاريع ضخمة بين شركة هيوماين السعودية وكبرى الشركات الأمريكية مثل: إنفيديا.
هذه الشراكة تعزز من تمكين المملكة أن تصبح ثالث أكبر سوق للذكاء الاصطناعي في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وذلك وفق ما صرّح به الرئيس التنفيذي لهيوماين، لتكون المملكة في قلب مستقبل التكنولوجيا الذكية.
نعم، أنه طموح كبير، إلا أن الميزة التنافسية لموارد الطاقة الوفيرة والرخيصة في المملكة تجعل هذا الهدف أمرًا ممكنًا أكثر من باقي المنافسين.
من الناحية الاقتصادية، تمثل هذه الزيارة امتدادًا لزيارة الرئيس الأمريكي السابقة إلى المملكة في مايو 2025م، ونتائجها تُعد قفزة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فقد أسهمت الصفقات والاتفاقيات الموقعة في ترسيخ علاقة اقتصادية غير مسبوقة، خصوصًا وأن الولايات المتحدة تُعد أكبر مستثمر أجنبي في المملكة. ولتسهيل حجم مساهمة الاستثمار الأمريكي في السعودية، فيكفي القول: من بين كل أربعة دولارات يستثمرها الأجانب في المملكة، يأتي دولار واحد من مستثمر أمريكي، وذلك طبقًا لتصريحات وزير الاستثمار السعودي. وعليه، وبهذه الديناميكية، تترسخ الشراكة بين المملكة والولايات ليس فقط كصداقة تاريخية، بل كمحرك قوي للنمو والابتكار المشترك.
حسنًا، ثم ماذا؟
في السياسة والاقتصاد، القوة تجذب القوة، وتأتي هذه الزيارة الأميرية أنموذجًا للقاء الكبار. أما عن الزيارة السابقة، فأدعو القارئ الكريم للاطلاع على مقالة سابقة لي بعنوان «النفوذ الاقتصادي في الزيارة التاريخية».