د. محمد بن أحمد غروي
باتت فئة المراهقين في السنوات الأخيرة أكثر عرضة للتطرف، بعد أن أصبحت المنصات الرقمية فضاءً مفتوحًا للتأثير عليهم وتوجيههم بطرق غير مسبوقة، فقد منحت وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، بخاصة منصات اللعب الجماعي، الجماعات المتطرفة أرضًا خصبة لبث أيديولوجياتها وجذب فئات شابة يسهل التأثير عليها نفسيًا، نتيجة ما يمرون به من عزلة اجتماعية وضغوط اقتصادية ومظالم شخصية، تجعلهم يبحثون عن الانتماء والمعنى، وتظهر تجارب ميدانية أن كثيرًا من المراهقين الذين انزلقوا نحو مسارات التطرف كانوا يعانون من شعور بالغربة عن المجتمع السائد، ويبحثون عن قضية تمنحهم هوية بديلة، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة عبر أساليب نفسية دقيقة للتلاعب بعقولهم.
وتبرز الألعاب الإلكترونية اليوم كأحد أهم المسارات التي تتسلل من خلالها الجماعات المتطرفة إلى عقول الشباب، فوفق دراسة رابطة مكافحة التشهير لعام 2024، تعرّض 23 % من لاعبي الإنترنت للدعاية اليمينية المتطرفة أثناء اللعب، مما يكشف عن تحول بيئات اللعب التفاعلي إلى فضاءات محملة بإشارات رمزية وروايات تحريضية، ويتضح خطر هذه الظاهرة في حالات واقعية، مثل الشاب السنغافوري الذي خطط لهجوم على خمسة مساجد بعد أن اعتاد لعب ألعاب محاكاة عنيفة متعددة اللاعبين تُظهر قتل مسلمين داخل مسجد، وهو ما جعل البيئة الرقمية امتدادًا لسلوك نفسي متطرف تشكّل تدريجيًا.
ويؤكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أن الجماعات المتطرفة باتت تستغل الألعاب والمنصات المرتبطة بها ليس فقط لنشر الدعاية، بل للتجنيد المباشر وتحريض المتلقين على العنف، في ظل توسع سوق الألعاب عالميًا وسهولة الوصول إلى المراهقين، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي نفسها أتاحت للمجنّدين تجاوز الأسر والمدارس والمؤسسات الاجتماعية التي لطالما شكّلت حائط صدّ ضد الانحراف الفكري، في وقت تشير تقارير إلى أن الخوارزميات قد تدفع الفئات الصغيرة إلى محتوى أكثر عاطفية وتطرفًا بهدف زيادة زمن المشاهدة والتفاعل، مما يجعل البيئة الرقمية بيئة محفزة على الانجراف.
ويكشف تقرير حديث عن تقييم التهديدات الإرهابية في سنغافورة أن الفضاءات الرقمية أصبحت قادرة على عزل الأفراد عن ثقافتهم المحلية ونظامهم الاجتماعي، مما سهّل تبني أفكار «نحن ضدهم» لدى المراهقين، وهو ما ينسجم مع تحذيرات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن الاعتماد المتزايد على المنصات الرقمية سيرفع من خطر التطرف في المستقبل القريب، ويعزز ذلك ما شهدته المنطقة مؤخرًا من حوادث تنذر بخطورة استهداف القاصرين؛ حيث أعلنت الشرطة الإندونيسية كشف محاولة منظمة من شبكة مرتبطة بداعش لتجنيد مراهقين عبر الإنترنت، مستخدمةً رسائل مشفّرة وخطابات استفزازية لتهيئتهم أيديولوجيًا، ونجحت هذه الشبكات في تجنيد نحو 110 أطفال ومراهقين في 23 مقاطعة.
وفي سنغافورة، برز تهديد آخر أكثر تعقيدًا، يتمثل في دخول الذكاء الاصطناعي على خط التطرف، فقد حذر القائم بأعمال وزير الشؤون الإسلامية من أن الجماعات المتطرفة أصبحت تستخدم الذكاء الاصطناعي لصناعة دعايات مقنعة وانتحال شخصيات موثوقة يصعب على العقول الشابة التمييز بينها وبين الواقع، مستشهدًا بحادثة مراهق في السابعة عشرة استغل روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي لتوليد تعهد بالولاء لتنظيم داعش، وكتابة بيان يدعو إلى الجهاد المسلح.
أما في ماليزيا، فقد تزايدت قضايا الإرهاب المتعلقة بتنظيم داعش، مع ارتفاع مستويات التطرف عبر الإنترنت واستهداف القاصرين بصورة مقلقة، ودفعت هذه التطورات السلطات إلى تبني استراتيجية شاملة تجمع بين التعليم والجهات الدينية والأمنية، لرفع قدرة الشباب على مقاومة المحتوى المتطرف، إلى جانب إنشاء وحدة مخصصة لشرطة الإنترنت للتحقيق في الجرائم الرقمية ومراقبة المحتويات الضارة التي تستهدف الفئات الصغيرة.
إن كل ما سبق يؤكد أننا أمام تحول نوعي في طبيعة التطرف وأساليبه، حيث تتداخل المنصات الاجتماعية والألعاب الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتشكّل بيئة واحدة متشابكة يستغلها المتطرفون للوصول إلى المراهقين وتشكيل وعيهم، ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة إلى تعاون دولي واسع لتبادل الخبرات وتطوير آليات حماية جديدة، تُحصّن شبابنا وشاباتنا من خطر التطرف الذي بات يستخدم الترفيه الرقمي والعزلة النفسية والخوارزميات الذكية لزرع بذور العنف والانجرار نحو مسارات التدمير.