عايض بن خالد المطيري
زيارة ولي العهد لواشنطن لم تكن بروتوكولًا سياسيًا عاديًا، بل محطة كشفت كيف تُبنى صورة الدولة الحديثة، وكيف تُصنع هيبتها من خلال قيادة تعرف ماذا تريد، وتعرف أيضًا كيف تصل إليه. فالأجندة لم تكن دفاعية ولا تبريرية، بل هجومية بمعنى القوة: ملفات اقتصادية وإستراتيجية وأمنية، شراكات تُنسج من موقع الندّية لا من موقع التابع، ورسائل موجّهة للعالم بأسره بأن السعودية اليوم ليست مجرد دولة نفط، بل لاعب رئيسي له مشروع واضح، ووزن يصعب تجاوزه.
واللافت أن دولًا تمتلك موارد مشابهة وربما تفوق السعودية بالإمكانيات لم تنجح يومًا في كسب هذا المستوى من الاحترام الدولي. لأنها ببساطة تفتقد ما هو أثمن من النفط: رؤية تقود، وصانع قرار يُلهم، وقدرة دولة على فرض حضورها في الميدانين السياسي والاقتصادي بذكاء وواقعية.
العالم لا يحترم الدول لمجرد ثرواتها، بل يحترم الدول التي تعرف كيف تحمي مصالحها وتفرض إرادتها وتخطط لعقود لا لأيام. والسعودية، من خلال قيادتها الحالية، أثبتت أنها تنتقل من موقع «المنتِج» إلى موقع «المُقرِّر»، ومن دولة ذات ثروة طبيعية إلى دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي يغيِّر الموازين.
ما بعد زيارة واشنطن هي مرحلة جديدة في علاقة المملكة العربية السعودية بالعالم، مرحلة لا تقوم على ردّ الفعل، بل على صناعة الحدث. وما ينبغي أن نفهمه من كل ذلك أن ثروتنا الكبرى ليست في ما نملكه من موارد، بل في من يقود دفة هذا الوطن، وفي مشروع طويل النفس يضع السعودية في المكان الذي تستحقه.
والرسالة الأهم هي أن الثروة الحقيقية ليست فيما يُستخرج من الأرض، بل في حكّامٍ يصنعون القرار ويمنحون الوطن قيمته الحقيقية.