رمضان جريدي العنزي
الكتابة الهادفة البناءة والصادقة ليست ترفاً، لا هي رخوة لا هينة ولا لينة، وليست مجرد هواية تُمارس على الهامش والفوضى، ولا هي رفاهية تُستدعى للهو والاستجمام والمرح، بل هي وسيلة للفهم والتعبير، ومساحة حرة يلوذ بها الإنسان حين يريد التنفس والاستنشاق، إنها عملية شاقة، وعمل صعب، تتطلب عضلات ذهنية، وقدرات فكرية، وصبر كبيراً، كثيرون يظنون أن الكاتب يجلس أمام الشاشة، فيتدفق النص كالنهر، الحقيقة أن النهر يبدأ قطرة، ثم يُحفر مجراه بضرباته المتتالية، كل كلمة تُختار تحتاج لغربلة، وكل جملة تحتاج لمراجعة، وكل فكرة تحتاج لتقنين، الكتابة ليست هينة أبداً، وليست لينة مطلقاً، وليست رخو البتة، لأنها تكشف عمق الفكر والعقل والمعرفة، الكتابة مرآة عاكسة لا ترحم، تعكس الارتباك ارتباكاً، والوضوح وضوحاً، إن لم تكن مستعداً لمواجهة نفسك، فلا تقترب من الكتابة، لكن في هذا الشقاء متعة خفية، عندما تنضج الفكرة تخرج الجملة صلبة لا تهتز، عندها يشعر الكاتب بلذة لا يعرفها إلا من جرب، لذة البنَّاء الذي يرى الجدار يرتفع حجراً فوق حجر حتى يكتمل ويصبح بهي، الكتابة ليست موهبة تُمنح، ولا تذكاراً يُهدى، بل مهارة تُصقل، تحتاج إلى قراءة جائعة، وتفكير عنيد، وفكرة صائبة، ويد لا ترتجف، الكلمة القاطعة هي التي تدخل تحت الجلد، وتخترق العظم، وتسكن الجسد، والكلمة الصادقة لا تحتاج إلى صوت عالٍ ولا صراخ ولا عويل، بل إلى دقة تشبه دقة الجراح الماهر الخبير، إن الكاتب الصادق ليس مجرد راوي قصص أو حكايا أو نابشاً في قضايا هامشية أو واصف مشهد عابر، بل يشخص الأشياء بشكل دقيق وصادق وأمين، أن الكلمة الصادقة التي توضع في موضعها الصحيح لا تجرح ولا تؤلم ولا تسبب أنيناً، بل تشفي وتصبح نتائجها طيِّبة ذات معنى وقيمة، تصلح الأمور، وتنتج ثماراً ناضجة ومغايرة، إن الكلمة الصادقة ليست بليغة فقط، بل دستور أخلاقي أن وضعت في سياقها الإنساني السليم، عكس الكلمة المزيَّفة التي تشبه الخنجر في يد مراهق، وكالدواء المغشوش، والماء الآسن، إن الكلمة الطيِّبة الصادقة الشفافة والصريحة ليست مجرد كلام يكتب، وجمل تدون، بل عمل راق، وفعل إنساني نبيل.