د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أدرك الرئيس الأمريكي روزفلت الأهمية الاستراتيجية للسعودية بالنسبة لأمريكا بعد لقائه بالملك عبد العزيز على متن السفينة كوينسي عام 1945، الذي أسس لعلاقة تحالف استراتيجي، وأسفر عن توفير الحماية العسكرية للسعودية مقابل ضمان السعودية لإمدادات النفط اللازمة للولايات المتحدة، عزز هذا الاتفاق من مكانة السعودية الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وجعلها لاعبا رئيسيا في معادلات الطاقة العالمية، ومنذ ذلك الحين والسعودية تحمل هم الأمة العربية وعلى الأخص القضية الفلسطينية ما جعل روزفلت يتعهد للملك عبد العزيز بعدم اتخاذ أي قرار بشان فلسطين إلا بالتشاور الكامل مع السعودية، لكن ترومان لم يلتزم بما تعهد به روزفلت للسعودية.
تعززت العلاقات السعودية الأميركية من بوابة النفط، وحققت أبرز الشراكات في الشرق الأوسط، منذ ان أبرمت السعودية في 29 مايو عام 1933 اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أوف كاليفورنيا ( سوكال)، 60 سنة، ثم تم بناء شراكة سياسية على الصعيد الدولي قائمة على الموثوقية.
ومنذ عام 1973 اشترت السعودية 25% من حصة أرامكو، تبعتها بشراء حصة أخرى في العام الذي يليه، حتى امتلكت أرامكو بالكامل في 1980، وعلى مدى تسعين عاما ترسخت العلاقات السعودية الأمريكية على أساس المصالح.
ذكرت واشنطن تايمز بأن الأمير محمد بن سلمان الزعيم الذي طال انتظاره في المنطقة، قاد تحولا تاريخيا غير مسبوق، جمع بين الجرأة والحكمة، فحرر طاقات المجتمع السعودي، وأعاد تعريف مفهوم التنمية والنهضة، حتى أصبحت السعودية نموذجا للإبداع والانفتاح، تعكس روح القيادة المتطلعة للمستقبل، حتى تحولت السعودية إلى وجهة عالمية للفرص والسياحة والابتكار.
أثبتت السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان قدرة في مواجهة التحديات الإقليمية، والحد من نفوذ إيران، وتعزيز الاستقرار من اليمن إلى أوكرانيا والسودان بما يعكس دورها كقوة توازن وسلام، لذلك تراه الولايات المتحدة حليفا لا غنى عنه، وشريكا استراتيجيا رئيسيا في الدفاع والطاقة والاستثمار، وسيكون للسعودية دور حاسم في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط.
لذلك ستكون العلاقة بين اميركا والسعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان محور السياسة الأمريكية في المنطقة، باعتباره الزعيم القادر على إعادة صياغة ملامح العالم العربي، وقيادة السعودية نحو المستقبل، حتى أصبحت السعودية مركز ثقل اقتصادي عالمي، وقوة مؤثرة في توازنات القوى العالمية، أي أن العالم يشهد ولادة عالم عربي جديد بقيادة سعودية، وهو أول انقلاب جيوسياسي منذ قرون.
تأتي زيارة سمو ولي العهد في وقت يتطلب تعزيز منظومة الأمن الإقليمي تنسيقا أوثق بين الرياض وواشنطن، باعتبار أن السعودية تلعب دورا محوريا في استقرار الشرق الأوسط، بينما تبقى الولايات المتحدة شريكا أساسيا في صياغة التوازنات الدولية، أي ان علاقة البلدين كما يصفها سفير واشنطن السابق في الرياض مايكل راتتني من ان الزيارة ستكون متنوعة بقدر ما أصبح الاقتصاد السعودي أكثر تنوعا.
لم يعد اختزال العلاقات السعودية الأميركية في صيغة بسيطة قائمة على النفط مقابل الدفاع، بل أصبحت الشراكة تعكس حقائق اقتصادية جديدة، ومجالات تعاون آخذة في التوسع، خصوصا في ثلاثة مجالات على رأسها معاهدة دفاع تعرض على مجلس الشيوخ، وفي مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي باعتبار ان السعودية لديها طموحات هائلة في الذكاء الاصطناعي، وتريد وصولا مستقرا وموثوقا للتكنولوجية الأميركية، خصوصا فيما يتعلق بالشرائح المتقدمة، إلى جانب الطاقة حيث أن السعودية مستثمر رئيسي في الطاقة المتجددة، وترى السعودية الطاقة النووية جزءا من مستقبلها، وسيتم التركيز في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي على قطاع المعادن الحيوية كركيزة أساسية للتعاون الاقتصادي، والعمل المشترك بمجالات الاستكشاف والمعالجة وتبادل التكنولوجي.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين أعطى الاهتمام للسعودية، لذلك في حضور ترمب وكل وكالات الأنباء العالمية، وبعد ان استقبل الرئيس ترمب الأمير محمد بن سلمان استقبالا اسطوريا، أكد الأمير محمد بن سلمان بقوله نحن لا نقوم بالاستثمار لأجل إرضاء أمريكا او ترمب، قال نحن نرى فرص حقيقية تعود علينا جميعا بالفوائد.
الأمن والاستقرار شرطان للازدهار وتحقيق حلم أوروبا الجديدة، فالعلاقات تعتمد بين الدول على المصالح الاستراتيجية، لكن العلاقات الشخصية تلعب دورا كبيرا في تعزيز تلك العلاقات، وأكد الأمير محمد بن سلمان أثناء زيارته لواشنطن قائلا نريد خطا واضحا لحل القضية الفلسطينية، وان السعودية تريد ان تضمن مسارا حقيقيا للتوصل إلى حل الدولتين، فيما ترمب صرح باننا نعمل على إرضاء الجميع لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، في المقابل ترى إسرائيل أن حصول السعودية على الجيل الخامس وطائرات اف 35 يخل بالتوازن في الشرق الأوسط، فالمنطقة تحصد ما زرعته القيادة السعودية في هذه الزيارة التاريخية خصوصا وأنها وجدت ترمب رئيسا تاريخيا لا يخضع للوبيات، بل يؤمن بأمريكا أولا.
** **
- أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا