سهم بن ضاوي الدعجاني
قبل مغيب شمس اليوم الثامن والعشرين من أيام الوسم في نجد العذية، هنا في الرياض، وتحديداً بحي السفارات بالمعهد العربي لإنماء المدن، كنا على موعد مع تدشين مشروع «ذاكرة الرياض: نصف قرن من العمارة 1950 - 2000م»، هذا المشروع الحضاري الذي تبنى فكرته ودعمه كمشروع استثنائي سمو أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور فيصل بن عبدالعزيز بن عياف المسؤول الإداري المثقف، الكتاب فاتحته قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيَّده الله- عن مدينة الرياض المنشور عام 2023م: «تاريخ الرياض جزء من حياتي عايشتها بلدة صغيرة، يسكنها بضعة آلاف من السكان يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى تسجل حضورها في كل المحافل الدولية، بمداد من العزة والفخار»، كما ضم الكتاب أسطر عرَّاب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ابن الرياض البار، والذي سجل شهادة للتاريخ عن الملك سلمان عاشق الرياض: «البنية التحتية في الرياض رائعة جداً، بسبب ما قام به الملك سلمان خلال ما يزيد على 55 سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها»، أما سمو أمين منطقة الرياض فقد رسم خارطة طريق لهذا المشروع الحضاري الذي يعتبر تاج العمارة والثقافة لمدينة الرياض: «يأتي هذا المشروع ليشكل ركيزة أساسية في جهود أمانة منطقة الرياض؛ ليكون مشروعاً عاماً شاملاً لرصد مسيرة النمو الحضري الذي شهدته المدينة منذ منتصف القرن العشرين، وحتى بداية الألفية الجديدة. يُعنَى هذا المشروع بتوثيق النهضة المعمارية والعمرانية التي مرت بها العاصمة. حيث يجمع بين التقليد والمعاصرة، ويهدف إلى توثيق أبرز المعالم الإنشائية التي ساهمت في تشكيل الهوية العمرانية للرياض.
يأتي هذا المشروع ليشكل ركيزة أساسية في جهود أمانة منطقة الرياض، التي تسعى للحفاظ على تراث المدينة، وإبراز معالمها التأريخية، ليس فقط من خلال التوثيق، بل أيضاً عبر مشاريع التطوير العمراني المستدام التي تراعي الطابع الثقافي والاجتماعي للمدينة. ومن خلال هذا المشروع تم حصر أكثر من ألف مبنى، وثق منها مئة وخمسة خمسون مبنى نظراً لأهميتها المعمارية، والتاريخية، والاجتماعية. ويعد هذا التوثيق خطوة جوهرية في الحفاظ على الهوية الثقافية لمدينة الرياض، وتعزيزاً لمكانتها كعاصمة ذات طابع حضاري مزدهر. لذا، فقد سلط الضوء في صفحات هذا الكتاب على مئة وأحد عشر مبنى؛ لدورها الكبير في تشكيل «ذاكرة الرياض».
في البدء
في سياق تنافس المدن في قدرتها على الحفاظ على معالمها العمرانية الحيوية، خاصة أن بلادنا مع مرور العقود الماضية قدمت مجموعة من النماذج المعمارية الرائدة التي تجسد التناغم بين الخبرات السعودية والأجنبية، مما جعل منها مركزاً حضرياً حيوياً يمزج بين الثقافة العربية الأصيلة والتقدم التقني والتصميم الحديث، بدأت التحولات الكبرى حينما أصدر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مجموعة من القرارات العمرانية المهمة بعد استرداده الرياض، ومنها: ترميم أسوار المدينة وترميم قصر الحكم وإنشاء قصر المربع والذي يعده الكثير من الباحثين القرار الأكثر تأثيراً في بداية خروج الناس من المدينة المسورة، وهو حجر الزاوية في تحديث العمارة بمدينة الرياض، وبعد قرابة عقد من الزمان جاء قرار الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- بإنشاء قصر الناصرية القديم في منتصف الأربعينات الميلادية الذي يعد من المشروعات التي وسعت آفاق العمارة المحلية آنذاك، ثم جاء قرار نقل الوزارات في النصف الأول من الخمسينات الميلادية على موعد مع تحول نوعي في التشييد والنمو والتوسع، فكان طريق الملك عبدالعزيز (طريق المطار سابقاً) ووجود سبعة مبان للوزارات تم إنشاؤها عليه والتي صممها المعماري المصري سيد كريّم الذي يعد أحد رواد التخطيط العمراني في مصر والعالم العربي آنذاك، مما أدى إلى ظهور مشروع إسكان الموظفين، أو ما يسمى حي الملز، هذا الحي الذي لا يمكن الحديث عن مفاصل التحول العمراني في مدينة الرياض دون ذكر تجربة تخطيط حي الملز الذي كان يسمى (حي الموظفين) أو (الرياض الجديدة) والذي تم إسناد تنفيذه إلى أربع شركات مقاولات كبيرة، هي : البحر الأحمر، وعرين والزهراء والسعودية.
تعود الجذور الأولى للأعمال البلدية في مدينة الرياض إلى ما قبل عام 1349هـ حيث تأسس كيان جديد تحت مسمى «البلدية»، ولكن القرار الحاسم الذي أدخل مدينة الرياض مرحلة مهمة من التحديث والنمو العمراني هو تحويلها إلى أمانة مدينة الرياض، وتعيين الأمير فيصل بن فهد بن فرحان كأول أمين للمدينة في عام 1375هـ، وتعد هذه الفترة بداية البناء الحديث لمدينة الرياض وخلفه مجموعة من الأمناء الذين أسهموا في تطوير مدينة الرياض إلى وضعها الحالي من النمو والتقدم، وكان من هؤلاء الأمناء: الأمير عبدالعزيز بن سليمان بن ثنيان، والأستاذ عبدالله العلي النعيم، والمهندس مساعد بن عبدالرحمن العنقري، والأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف، والمهندس عبدالله بن عبدالرحمن المقبل، والمهندس إبراهيم بن محمد السلطان، والمهندس طارق بن عبدالعزيز الفارس والأمير الدكتور فيصل بن عبدالعزيز بن عياف في الوقت الراهن.
منهجية المشروع
طرحت أمانة منطقة الرياض في عام 2022م مشروعاً لحصر وتوثيق مباني النصف الثاني من القرن العشرين بمدينة الرياض. بدأت الجهود بتحديد واختيار أفضل المنهجيات الممكنة لمثل هذا النوع من المشاريع التوثيقية على نطاق جغرافي كبير بحجم مدينة الرياض وفقاً لما يأتي:
* أن يكون المبنى قد صمم أو افتتح في الفترة من 1950 إلى 2000م.
* أن يكون للمبنى دور تأريخي مؤثر في تنمية المجتمع المحلي أو الوطني.
* أن يكون للمبنى تأثير في السياق التاريخي والحضاري ساهم في تحول جذري في تشكيل مدينة الرياض.
* أن يكون المبنى قد أثر بشكل مباشر أو غير مباشر في النهضة العمرانية.
* أن يكون المبنى قد صمم من قبل معماري له تأثير في سياق العمارة الوطنية والإقليمية والعالمية.
* أن يكون المبنى قد وجد لحل مشكلة قائمة أو لتلبية احتياج ملح آنذاك، وغيرها من المعايير المنهجية.