رمضان جريدي العنزي
كثير من الشعراء العظماء حوّلوا المعاناة الكبيرة إلى قوة شعرية، كأن الألم هو التربة المميزة التي تنبت الشعر الحقيقي، أو الشرارة والساقية، وحين يعيش الشاعر تجربة مؤلمة، حباً، فقداً، اغتراباً، أو صراعاً داخلياً، تتحول تلك الأحاسيس إلى كلمات، وتغدو القصيدة وسيلة للتنفيس والتعبير، لكن هناك في المقابل من يرى أن الشعر لا يولد فقط من المعاناة، بل من كل انفعال قوي، سواء كان فرحاً أو ترحاً أو دهشة أو شوقاً..
- أبو العلاء المعري:
قال في معاناته من العمى والوحدة:
«وَأَصْبَحْتُ أَرْثي لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا»
لكن من رثائه ولدت فلسفة شعرية خالدة.
- نزار قباني: كتب أجمل قصائده بعد فقدان زوجته بلقيس، فتحوّل الحزن إلى ثورة حب:
«بعدكِ، يا بلقيسُ، صرتُ أكتبُ الشعرَ بالدموعِ بدل الحبرِ»
- محمود درويش: كتب في المنفى والأسر ومن قلب المعاناة الوطنية:
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة».
- الراحل حمد الحجي: شاعر سعودي بارز يُعرف بـ»شاعر الألم والمعاناة» بسبب تجاربه الشخصية الصعبة التي انعكست في شعره، أبرز قصائده «فراق» التي تعبر عن الحزن والانفصال، ومنها:
فَهَذَا الْخَرِيفُ مَكْدَسُ وَرَقِي
لِيَحِيكَ كَفَنِي تَحْتِي وَفَوْقِي
- الكويتي الراحل فهد العسكر: شاعر معاناة رقيق الإحساس، حاد الشعور، شديد العاطفة، وقد مر بأطوار مختلفة في حياته.
أنا تائِه في غَيْهَبِ
شَبَحِ الرَّدى فيه قَريني
ضاقت بِيَ الدُّنيا دَعيني
أَنْدِبُ الماضي دَعيني
«سعد بن جدلان: من أكثر الشعراء النبطيين المتميزين الذين عبروا عن الحنين والخذلان والأنفة في شعره:
يا كثر ما ضاع من عمري ضياعات
ما بين حلم وطموح ورغبة أوهام
«الشاعر أحمد الناصر الشايع: بقصيدته السامرية المعروفة.
البارحة بوم العباد رقود
النوم ما يطري على بالي
مجروح روحي وخاطري ملهود
يا ناس خلوني على فالي
«الشاعر محمد النفيعي: كان محاطاً بوجع المرحلة، وقسوة المرض الذي داهمه ولم يرحمه.
من يعرف جروح المسا
والشمس في حضن الزوال
غير الكثير من النساء
وغير القليل من الرجال
الله يا كبر الأسى
لا قالت الفرقا تعال
إن الحياة البشرية في جوهرها تقوم على متغيرات متباينة ومتناقضة، منها ما يبلغ أثرُه مدىً بعيدًا من الإيلام النفسي في الذات الإنسانية؛ فيتوالد فيها معاناةً متفاوتةً في مستوياتها؛ تبعًا لتنوّع بواعثها، وتراتبية آثارها وتداعياتها، وإذا كانت للمعاناة انعكاساتُها الإيجابية -في حياة الإنسان العادي، بعد معايشته تجارب حياتيةٍ قاسية، تعود عليه بخبراتٍ كافيةٍ، للتعاطي مع تجاربه الجديدة، فإن المعاناة في حياة الإنسان الشاعرعلى تلك الإيجابية تُعدُّ رافدًا مهمًّا من روافد تجربته الشعرية، حيث تظهر تجلياتٌ منها في لوحاتٍ دلاليةٍ، على بساطٍ من الشعرية النصّية، إن المعاناة ليست شرطاً لازماً للشعر، لكنها غالباً النار التي تُذيب الشاعر ليُعيد صياغة نفسه كلماتٍ تخلد الألم وتحوله إلى جمال مغاير، إن الشعر لا يولد من الراحة، بل من التعب الشديد والجرح العميق، والرافد الإنساني، أن الشعر يولد حين تضيق الروح، فينفتح القلب على مداد الحرف، ومن وجع التجربة تنفجر الكلمات صافية، كأنها دمعة تجمدت على ورق، فالشاعر لا يكتب ليصف، بل ليشفي.